على كل حال كل كتاب له ميزة، فالعمدة مصدرة جميع أبوابها بدليل صحيح، ثم يفرع على هذا الدليل من الأحكام ما يفرعه الموفق -رحمه الله-، وهو اللبنة الأولى في تقدير الإمام الموفق -رحمه الله- بالنسبة لطالب الفقه، ثم يليه كتابه المقنع، ثم الكافي، ثم المغني، وألفها على هذه الطريقة على التدرج، والترقي من الصغير إلى ما هو أكبر منه، فطالب العلم الذي يريد أن يتفقه، وهو يريد كتاباً محرراً متقناً مضبوطاً، ولا أقول: معصوم ما فيه أخطاء، لا، كل الكتب فيها، وفيها: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [(82) سورة النساء]، لكن حفظ الطالب، وتعويده على كتاب متين صعب يعوزه إلى شرح، ويعوزه إلى مراجعة الشيوخ بهذا يتربى طالب العلم، أما الكتب التي تقصد لسهولة أسلوبها، فهذه ليست بطريقة لطلب العلم من وجهه، ومن أبوابه، وعلى الجادة، فالعلماء حينما يعصرون الكتب عصر ليقل الكلام فيها، وتكثر معانيها، ومحتوياتها ليس من فراغ هذا، وليس المراد منه تعذيب الطالب، لا، إنما المقصود منه تدريب الطالب على هذه الأساليب القوية المتينة، بحيث لا يشكل عليه فيما بعد فهم أي كتاب، وعلى هذا فزاد المستقنع من هذه الحيثية مقدم؛ لأنه أمتن عبارة، وأصعب على طالب العلم مما يجعل طالب العلم يحرص، ويتعب في فهمه، وإذا تعب في فهمه رسخ في ذهنه بخلاف الكتاب الذي كتب بأسلوب سهل، هذا لا يثبت في ذهن طالب العلم، وعندي أن من يربي الطلاب على كتب المعاصرين التي كتبت بلهجاتهم، وطرائقهم، يعني لا تخفى معانيها على طالب العلم، هذه ليست منهجية، من حيث المنهجية ليست مستقيمة، ومن هذا ما يتلقاه الطلاب في المدارس النظامية من مذكرات في الجامعات، مثلاً يكتب الأستاذ مذكرة، يصوغها بأسلوبه، يفهمها الطلاب، والمنتسب، والمنتظم على حد سواء، ثم ما يلبث أن ينساها بعد الامتحان، لكن لو كان بيده كتاب متين من كتب أهل العلم، وحرص على الحضور، وعلق، وراجع الشروح، وسأل عما يشكل عليه ثبت العلم في ذهنه.