. . . خلفٌ أولُ ... من صنف الغريب فيما نقلوا

لأنهما وجدا في زمن واحد، فلا يدرى أيهما السابق بالتأليف؟ ثم تلا أبو عبيد نعم أبو عبيد القاسم بن سلام بعدهم، بعد النضر وبعد أبي عبيدة، ثم أبو عبيد النضر ومعمر والأصمعي وغيرهم من المتقدمين على أبي عبيدة هؤلاء مؤلفاتهم صغيرة، يجمعون بعض المتون المشكلة ألفاظها والغامضة ألفاظها فيفسرونها، كتب صغيرة يعني وهذا شأن بداية التأليف، يعني الذي يؤلف في الفن أول من يؤلف لا شك أنه يبدأ الأمر عنده يسير، ثم بعد ذلك يبني عليه من يأتي بعده، ويفتح له المجال، ويفتح له آفاق قد تكبر الكتب عند الثاني والثالث بالنسبة للأول بسبب الأول، إما زيادة نظائر على ما ذكر مع الموافقة، أو من أجل أن يرد عليه عند المخالفة، فتزداد حجم الكتب، ولذلك تجدون كلما تأخر الزمان زادت الكتب، لماذا؟ لأن الكتب القديمة تودع في هذه الكتب المتأخرة، ثم بعد ذلك يضاف إليها من الأمثلة والنظائر وغيرها بما يزيد به الحجم، مما هو مطلوب في الفن، أو يزيد الحجم بالتصدي للمؤلف المتقدم عند المخالفة.

"ثم تلى أبو عبيد" وأبو عبيد محل ثقة عند الجميع؛ لأنه إضافة إلى كونه من أئمة اللغة سليم الاعتقاد، وهو في الوقت نفسه محدث نظير الأئمة المتقدمين من أهل الحديث، فينبغي أن يعتنى بكتابه، وصار كتابه محل عناية من المتأخرين، صار من جاء يؤلف في غريب الحديث إنما يدور في فلكه، وكتابه مطبوع ومتداول، لكن ترتيبه يحتاج إلى فهرسة، فالوصول إلى اللفظة التي تريدها تحتاج إلى عناية وكثرة تردد على الكتاب، هذا الذي يجعل مثل هذا الكتاب لا يتداوله طلاب العلم بكثرة، يلجئون إلى النهاية؛ لأن ترتيبها سهل، أبو عبيد إضافة على كونه إمام في اللغة إمام في الحديث، سليم الاعتقاد، ولذلك محل ارتياح من أهل العلم، ولهم عناية في كتابه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015