"ثم السنن" لأنها هي التي تلي الصحيحين، وينظر أيضاً مع السنن ما اشترط فيه الصحة، ولو لم يفِ مؤلفه بما اشترط والتزم، أو تساهل في تطبيق شرطه، أو تساهل في شرطه كصحيح ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، ثم السنن والبيهقي، والبيهقي له شأن عظيم عند أهل العلم؛ لأن زوائده على الكتب كثيرة جداً، يدخل في السنن التي أشار إليها السنن الأربعة: سنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، سنن الدارمي وسنن سعيد بن منصور وغيرها من السنن، ويدخل فيها أيضاً المصنفات فهي بمعنى السنن، إلا أنها تكثر فيها الآثار، السنن فيها آثار لكنها قليلة جداً بالنسبة للمرفوعات، وأما بالنسبة للمصنفات فالآثار فيها كثيرة.
. . . . . . . . . ثم السنن ... والبيهقي ضبطاً وفهماً. . . . . . . . .
ضبط للألفاظ، وفهم للمعاني، بالطريقة التي شرحناها يحصل له ذلك، يعني إذا أشكل عليه لفظ عند البخاري أو لفظ عند مسلم، أو حيره معنىً من معاني هذه الأحاديث يرجع فيها إلى الشروح، ويعلق عليها بتعليق مختصر؛ لأن التطويل يعوق عن تحصيل ما هو بصدده من حفظ للمتون، واستقرار في ذهنه لهذه المتون.
"ضبطاً وفهماً" لأنه إذا نظر في الألفاظ، ألفاظ الأحاديث لا شك أن بعضها يوضح بعضاً، قد يكون الحديث مختصر في موضع، يبسط في موضع آخر من البخاري أو عند مسلم أو عند غيرهما؛ لأنه إذا حفظ على الخطأ استمر عليه، ولو ضبط فيما بعد ما يثبت في الذهن؛ لأن الذي يثبت في الذهن أول ما يسمع الخبر، فإذا راجع عليه، راجع على الأسانيد كتب الرجال، كتب المشتبه، كتب المؤتلف والمختلف يستفيد فائدة عظيمة، ثم بعد ذلك ينظر في ألفاظ المتون من كتب الغريب، ولو احتاج أن يراجع بعض كتب اللغة لبعض الألفاظ التي لم يكتشف له معناها في كتب الغريب فحسن.
"ضبطاً وفهماً" يعني ما يكفي أن يحفظ أو يسرد ويجرد من دون الضبط والفهم؛ لأن العمل لا يتأتى إلا بعد الضبط والفهم.