"ثم شُد الرحلا" الرحلة سنة من سنن أهل هذا العلم، الحديث، رحلوا، رحل منهم من رحل مدة شهر يقطع الفيافي والقفار من أجل حديث واحد، جابر بن عبد الله رحل إلى عبد الله بن أنيس من أجل حديث، وغيره وغيره، وفي ذلك مصنف للخطيب البغدادي اسمه: (الرحلة في طلب الحديث) من سنن أهل هذا الفن يرحلون إلى العصور المتأخرين، إذا أخذ ما عند علماء بلده انتقل إلى غيره، ويحرص على العلماء الذين هم أهل تحقيق وتدقيق؛ لأن منهم من يرحل من أجل قدم السماع أو علو الإسناد، وإن كان هذا المرحول إليه عامي لا يفقه شيئاً، إنما عنده إجازات اختصرت له بعض الرواة، فصارت لديه أسانيد عالية، نعم أهل العلم يقصدون مثل هذا، لكن الأهم من هذا معرفة محتوى الأحاديث ومضمونها، وما تدل عليه؛ لأنه فرق بين شيخ عنده أسانيد، يعني وجد في القرن الثامن والتاسع والسابع أيضاً شيوخ عوام، لا يقرءون ولا يكتبون، ولا يعلقون بكلمة إنما تيسرت لهم حضروا دروس ومجالس حديثية في أوائل أعمارهم في الخامسة في السادسة من العمر، وأجيزوا بهذا الكتاب، ثم لما تقدم بهم السن ومات أقرانهم احتاج الناس إلى ما عندهم، تكون أسانيدهم عالية، لكن ما الفائدة أن تقرأ الكتاب، أو يُقرأ الكتاب وأنت تسمع، أو تجاز بهذا الكتاب عن شخص لا يعلق بكلمة، يعني الآن موجود من أهل العلم وعنده القدرة والأهلية للشرح والتعليق ومع ذلك يقتصر على سماع الكتب، مسند أحمد يُقرأ في عشرين يوم مثلاً، سنن أبي داود في عشرة أيام، سنن كذا في .. ، إلى أن وجد من يُقرئ الكتب الستة في شهر، كل هذا إحياء لسنة سابقة، هذا موجود في السابق، لكن أهم من ذلك العلم لما يطلب؟ إنما يطلب للعمل، ومجرد الإكثار من الإجازات والرواية صار هدفاً ومقصداً، يعني وهذا موجود في السابق، يعني موجود في القرن السابع والثامن والتاسع إلى يومنا هذا، لكن همة أهل العلم الراسخين في العلم غير هذا؛ لأن العلم إنما يطلب للعمل، ولا يتم العمل بمثل هذه القراءات، عندي بدلاً من أن يُقرأ المسند في شهر نفقه مائة حديث بدل ثلاثين ألف حديث، ونعرف ما فيها من أحكام، وكيف نتعامل معها إذا عارضت أو عورضت أفضل من قراءة المسند كامل؛ لأن هذه الثمرة من قراءة