قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأي فعل آخر منه ألف أو واو او ياء فمعتلاً عُرِفْ فالألف انو فيه غير الجزم وأبد نصب ما كيدعو يرمي والرفع فيهما انو واحذف جازما ثلاثهن تقض حكما لازماً] لما انتهى المؤلف رحمه الله من ذكر الأسماء المعتلة أواخرها شرع في ذكر الأفعال المعتلة أواخرها، والفعل يعتل بالألف مثل (يسعى) وبالواو مثل (يغزو) وبالياء مثل (يرمي)، ولهذا قال: قوله: [وأي فعل آخر منه ألف أو واو او ياء فمعتلاً عُرِف] أي: مبتدأ، وجملة (عُرِفَ) خبره، والمعنى: أي فعل آخره ألف أو واو أو ياء فإنه يسمى معتلاً.
إذاً: الأفعال يقال فيها معتلة، والأسماء يقال فيها: مقصور ومنقوص.
فالفعل إذا كان آخره حرف علة فقد مر علينا في الصرف أنه يسمى ناقصاً، وإذا كان حرف العلة وسطه سمي أجوف.
قوله: (فالألف انو فيه غير الجزم): أي: الفعل إذا كان آخره ألفاً (فانو فيه) أي: قدر فيه (غير الجزم) وهو الرفع والنصب، مثاله: (الرجل يسعى)، يسعى: فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر.
(الرجل يخشى)، يخشى: فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر.
قوله: (وأبد نصب ما كيدعو يرمي) الذي كيدعو هو المعتل بالواو، والذي مثل (يرمي) هو المعتل بالياء.
وفي هذا التمثيل إشكالان: الإشكال الأول أن الكاف دخلت على الفعل، وقد علمنا فيما سبق أن حروف الجر لا تدخل إلا على الأسماء!
و صلى الله عليه وسلم أن المقصود به اللفظ، والمعنى: كهذا اللفظ، فنقول: الكاف حرف جر، و (يدعو) اسم مجرور بالكاف بكسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية.
الإشكال الثاني: قوله: (يرمي) لا يصلح أن نجعلها بدلاً من (يدعو) لاختلاف اللفظ والمعنى؟ والجواب: أن حرف العطف محذوف مقدر، وسبب حذفه دلالة السياق عليه.
وقوله: (أبد نصب ما كيدعو يرمي) الكاف هنا للتشبيه، المعنى: أظهر نصب كل ما يشبه هذا الفعل مما هو معتل بالواو مثل: يدعو تقول: يعجبني أن يدعوَ المنيب ربه، يعجبني أن يغزوَ الإنسان عدوه الكافر، إن الكافر إذا مات على كفره لن يرجوَ عفو الله.
كذلك يظهر نصب الفعل المعتل بالياء، مثل: يُعجبنيَ أن يرميَ الرجل، يعجبني أن يقضيَ بالحق، يعجبني أن يحميَ الإنسان نفسه من الدنس.
ثم قال رحمه الله تعالى: [والرفع فيهما انوِ] أي: يقدر الرفع فيهما، وهما الفعل المعتل بالواو مثل (يدعو) والفعل المعتل بالياء مثل (يرمي).
بقي الجزم؛ قال رحمه الله: [واحذف جازماً ثلاثهن] أي: احذف الألف والواو والياء، [تقض حكماً لازماً] أي: تأت به.
والخلاصة أن الفعل المعتل بالألف يقدر عليه الفتح والضم.
والمعتل بالواو أو الياء تقدر عليه الضمة، وتظهر الفتحة.
فإذا قال القائل لماذا تظهر الفتحة على الياء والواو ولا تظهر على الألف؟ نقول: لأن الألف صامتة لا تلين ولا تقرأ، ولهذا قلنا: المانع من الظهور تعذر، والياء لينة، وكذلك الواو لينة ليست ثقيلة ولا غليظة، ولهذا تحتمل الفتحة لخفتها، ولا تحتمل الضمة لثقلها، فاجتمع أمران: الأمر الأول: أن الياء سهلة وكذلك الواو، بخلاف الألف.
والثاني أنها تظهر عليها الفتحة لخفتها، ولأن حرف العلة فيه لين، ولهذا يمكن أن تظهر عليه الضمة لكن بثقل، فيمكن أن تقول: (فلان يدعوُ ربه) (فلان يمشيُ على الأرض)، لكن هذا فيه ثقل في النطق.
أما في الجزم فيقول: (احذف جازماً ثلاثهن) يعني احذف الألف والواو والياء إذا جزمت، تقول مثلاً: الرجل يسعى لنيل العلم، وتقول: الجاهل لم يسع لنيل العلم، فتحذف ألف (يسعى) بسبب الجزم.
مثال آخر: تقول: فلان لم يأت، وأصلها (يأتي) بالياء؛ لكن حذفت الياء للجازم.
وتقول: المستكبرُ لم يدع ربه، حذفت الواو للجازم.
وقال الله تعالى: ((ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ)) حذفت الواو لدخول الجازم عليها، والله أعلم.
وفعل الأمر كالمضارع إلا أن الأمر يكون مبنياً لا معرباً، والماضي يكون أيضاً مبنياً لا معرباً، وكلامنا هنا على الفعل المعرب.