وقوله: (ما لا ينصرف): يقول العلماء في تعريف الذي لا ينصرف: هو ما كان فيه علتان من علل تسع، أو علة واحدة تقوم مقام علتين.
ومعنى الصرف: التنوين، كما قال ابن مالك في الألفية: الصرف تنوين أتى مبيناً معنى به يكون الاسم أمكنا وهذه العلل يجمعها قول الشاعر: اجمع وزن عادلاً أنث بمعرفة ركب وزد عجمة فالوصف قد كملا قوله: (اجمع): يشير بهذه الكلمة إلى ما يسمى بصيغة منتهى الجموع، وهو كل ما كان على وزن مفاعل أو مفاعيل، مثل: مساجد، مصابيح، فمساجد على وزن: مفاعل، ومصابيح على وزن: مفاعيل.
ولا يلزم أن يكون بهذه الحروف، (بالميم والفاء والألف مثلاً)، بل إذا جاء على حروف أخرى فله نفس الحكم فمثلاً فعائل كصحائف مثل: مفاعل.
عندكم تقولون في الكلام السيئ: هذا خرابيط، على وزن مفاعيل وإن لم يكن بلفظه، والمهم أن يكون على هذا الميزان: مفاعل ومفاعيل؛ فكل جمع جاء على هذا الوزن فإنه ممنوع من الصرف، تقول: مررت بمساجدَ كثيرة، وقلنا: بمساجدَ ولم نقل: بمساجدٍ؛ لأنه ممنوع من الصرف.
ولا نحتاج إلى علة أخرى مع هذه العلة وهي صيغة منتهى الجموع، فمتى وجدنا اسماً على مفاعل أو مفاعيل منعناه من الصرف، سواء كان علماً أم صفة أم اسماً جامداً أم غير ذلك، لأن هذه العلة تقوم مقام علتين، ونحن قلنا: إن الاسم الذي لا ينصرف هو الذي اجتمع فيه علتان من علل تسع أو علة واحدة تقوم مقام علتين.
قوله: (وزن): يشير إلى وزن الفعل، يعني: أن تكون الكلمة على وزن فعل من الأفعال.
مثاله: أحمد، اسم على وزن: أفعل.
وأفعل وزن الفعل المضارع، بل إن أحمد نفسها تصلح أن تكون فعلاً، كما لو قلت: إني أحمد الله، فما كان على وزن الفعل لا ينصرف.
إذاً: وزن الفعل يكون علماً مثل: أحمد، ويكون وصفاً مثل: أحمر، فأحمر لا ينصرف، والمانع له الوصفية ووزن الفعل.
إذاً: ما كان على وزن الفعل فإنه ممنوع من الصرف.
ولكن يشترط في الذي يمنع من الصرف إذا كان على وزن الفعل أن يكون علماً أو صفة، فالعلم مثل: أحمد، والصفة مثل: أحمر، أسود، أخضر، فإن كان اسماً جامداً فإنه لا يمنع من الصرف ولو كان على وزن الفعل، لأننا نشترط أن يكون علماً أو صفة.
قوله: (عادلاً) إشارة إلى العدل، وهي أن تكون الكلمة معدولة عن كلمة أخرى، وهي ألفاظ قليلة، مثل: عُمَر، معدول عن عامر، زُحَل معدول عن زاحل، فكل اسم حول من مشتق إلى مشتق آخر أو من علم إلى علم آخر فإنه ممنوع من الصرف.
وهنا نسأل: هل يشترط انضمام شيء إلى العدل أو لا؟ نقول: نعم، وهو العلمية أو الوصفية.
والوصفية مثلوا لها بقولهم: مثنى وثلاث ورباع، قالوا: إنه معدول عن اثنين اثنين في مثنى، وعن ثلاثة ثلاثة في ثُلاث، وعن أربعة أربعة في رُباع.
قوله: (أنث): إشارة إلى التأنيث، والتأنيث خمسة أنواع: مؤنث بالتاء لفظاً لا معنى.
ومؤنث بالتاء لفظاً ومعنى.
ومؤنث معنى لا لفظاً.
ومؤنث بألف التأنيث الممدودة.
ومؤنث بألف التأنيث المقصورة.
فهذه خمسة أنواع كلها داخلة في قوله: (أنث).
أما الثلاثة الأولى التي هي التأنيث المعنوي، واللفظي، واللفظي المعنوي، فلا يكون أحدها مانعاً من الصرف إلا إذا كان علماً، فإن كان غير علم فإنه يصرف، سواء كان وصفاً أو اسماً جامداً.
ومثال اللفظي: قتادة، حمزة، طلحة، معاوية، خليفة فهذه مؤنثة تأنيثاً لفظياً، لأنها لمذكر، ولفظها مؤنث، فهي ممنوعة من الصرف.
واللفظي المعنوي مثل: فاطمة، عائشة، خديجة، منيرة، لؤلؤة، ماجدة وهلم جرا.
هذا مؤنث تأنيثاً لفظياً ومعنوياً، ويشترط في هذا المؤنث أن يكون علماً، أما إذا كان جامداً فإنه مصروف، مثل: شجرة، وطلحة اسم للشجرة، تقول: هذه طلحةٌ كبيرة، وجلست تحت طلحةٍ كبيرة، وكذلك: نخلة.
ومتى يكون (نخلة) غير مصروف؟
صلى الله عليه وسلم إذا كان علماً، كما لو سميت بنتك نخلة.
وتقول: مررت بامرأةٍ مسلمةٍ، فلفظ امرأة مصروف لأنه اسم جامد وليس علماً، فهو مثل شجرة.
والمؤنث بألف التأنيث الممدودة ما كان آخره همزة، مثل: حمراء، صفراء، سوداء والأمثلة كثيرة.
والمؤنث بألف التأنيث المقصورة ما كان آخره ألف، مثل: العزى، سلمى، سلوى، ليلى والأمثلة كثيرة.
فألف التأنيث سواء كانت مقصورة أم ممدودة في علم أو وصف أو اسم جامد، فهي تمنع الاسم من الصرف، وهي من العلل التي تقوم واحدة منها مقام علتين، فهي مثل صيغة منتهى الجموع.
فهاتان علتان تكفي فيهما العلة الواحدة: صيغة منتهى الجموع، وألف التأنيث الممدودة أو المقصورة، وهي ثلاث بالبسط.
قوله: (بمعرفة): هذه ليست علة مستقلة، وهي العلمية.
قوله: (ركب): يعني التركيب المزجي، وعندهم أن التراكيب أنواع: إضافي، مزجي، وإسنادي.
والمراد هنا التركيب المزجي، وهو: ضم كلمة إلى أخرى لا على سبيل الإضافة ولا على سبيل الإسناد، ويسمى تركيباً مزجياً لأنه مزج وخلط حتى تصير الكلمتان كلمة واحدة، مثل: بعلبك، حضرموت، معدي كرب، فهذه أسماء ممنوعة من الصرف، للعلمية والتركيب المزجي، ويشترط فيها أن يكون الاسم علماً، فالوصفية لا تأتي هنا، والجامد لا يأتي، بل لا بد أن يكون علماً.
ومر علينا ما يشترط أن يكون علماً.
وهو: إذاً: التأنيث اللفظي والتأنيث المعنوي بغير الألف، والتركيب، هذه ثلاث علل لا بد أن تكون علماً، وثلاث علل فيها علة واحدة تقوم مقام علتين، وثلاث علل لا بد أن تكون علماً أو وصفاً، وبهذا تتم العلل التسع.
قوله: (وزد): الزيادة، هي زيادة الألف والنون، فكل علم فيه زيادة ألف ونون، أو وصف فيه زيادة ألف ونون، فهو ممنوع من الصرف.
فالعلم مثل: سلمان، سليمان، {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ} [النمل:30] ما قال: من سليمانٍ.
والوصف مثل: سكران، عطشان، غضبان، ريان والأمثلة كثيرة.
قوله: (عجمة): لا بد فيها من علتين: العلمية والعجمة، والعجمة أن يكون الاسم أعجمياً غير عربي، وأسماء الملائكة كلها أعجمية إلا ما استثني، وأسماء الأنبياء كلها أعجمية إلا ما استثني، وسيبين إن شاء الله.
إسرائيل: ممنوع من الصرف، للعلمية والعجمة.
إبراهيم: ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة.
إسماعيل: ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة.
إسحاق: ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة.
يعقوب: ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة.
فإن كان وصفاً فإنه غير ممنوع من الصرف ولو كان أعجمياً، ومن ذلك قولهم: قالون، أي: جيد في الرومية، لكنه ينصرف لأنه ليس بعلم.