قوله: (آتيا ذا طلبٍ) أي: إذا جاء المضارع ذا طلب، والمضارع إذا اقترنت به اللام يكون ذا طلب، مثل: لا تضربَن، قال الله تعالى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف:23]، فهذا طلب، والطلب فيه هو النهي؛ لأن النهي طلب الكف.
وتقول: لتقومن يا زيد، هذا طلب لأنه أمر.
وتقول: هل تقومن يا زيد؟ هذا أيضاً طلب؛ لأنه استفهام، والاستفهام: طلب الإفهام.
إذاً: هذا معنى قوله: (ذا طلب).
قوله: (أو شرطاً اما تاليا) أيضاً: إذا أتى شرطاً تالياً لإما، وإما هذه هي إنْ الشرطية اقترنت بها (ما) الزائدة المؤكدة، قال الله تعالى: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا} [مريم:26].
فقوله: (ترينَّ) فعل مضارع أتى بعد إما الشرطية، وأصل إما الشرطية: إنْ.
الثالث: قوله: (أو مثبتاً في قسم مستقبلاً) أي: أو جاء مثبتاً في قسمٍ مستقبلاً، ونزيد شرطاً رابعاً: غير مفصول عن لامه.
فلابد أن يكون مثبتاً، بعد قسم، مستقبلاً، غير مفصول عن لامه، فإذا تمت هذه الشروط الأربعة أكد المضارع وجوباً، قال الله تعالى: {لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ} [الهمزة:4]، وقال: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن:7].
فقوله: (لتبعثن) فعل مضارع مثبت.
وفي قسم، وهو قوله: (وربي) وهو مستقبل وغير مفصول عن لامه.
وقال تعالى: {وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ} [الحشر:12]، (ليولن) هذه مثبتة، في قسم، مستقبل، غير مفصول عن لامه.
فخرج بقوله: (مثبتاً) إذا كان منفياً؛ لأنه إذا كان في قسم لكنه منفي فإن نون التوكيد لا تدخل عليه، كقوله: {وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ) [الحشر:12]، فلم يقل: (لا ينصرنّهم) بل قال: (لا ينصرونهم) بدون توكيد؛ لأنه منفي، وكذلك قال: (لئن أخرجوا لا يخرجون معهم)، ولم يؤكدها، فلم يقل: لا يخرجنّ.
وخرج بقوله: (مستقبلاً) كما لو قلت: والله لأضربك الآن، فلا يجوز أن تقول: لأضربنَّك؛ لأنه غير مستقبل، وكذلك لا يجوز: والله لأكرمنَّك أمس، وقال بعض النحويين: يجوز أن تقول: والله لأضربنك الآن.
واشترطنا الشرط الرابع وهو: أن يكون غير مفصول من لامه، فإن فصل من لامه فإنه لا تلحقه نون التوكيد، كقوله تعالى: {وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} [آل عمران:158]، فاللام في قوله: (لإلى الله) للتوكيد، لكنه ما قال: (لإلى الله تحشرُنَّ)؛ لأنه فصل من لامه بالجار والمجرور (لإلى الله تحشرون).
أذاً: إذا تمت الشروط الأربعة وجب التوكيد، وإذا انتفى واحد امتنع التوكيد، فلو قال قائل: إن أكرمتني لفي البيت أكرمنك، فهذا خطأ؛ لأنه فصل بين لام التوكيد وبين الفعل.
وإن قلت: إن أكرمتني لا أهيننك، لم يصح؛ لأنه منفي، والنفي لا يمكن أن يجتمع مع نون التوكيد.
ولا بد أن يكون ذا قسم مستقبلاً.
قوله: (وقل بعد ما ولم وبعد لا).
أي: أنه يقل توكيده في هذه المواضع، وهي (بعد ما) والمقصود (ما) الزائدة في غير الشرط، مثاله: إذا قلت: بعين ما أراك، فهو أولى؛ ولكنه يصلح أن تؤكد فتقول: بعين ما أرينك، إلا أنه قليل.
(ولم) مثل: لم يقومن زيد، فإنه يجوز لكنه قليل، والأفصح: لم يقم زيد.
(وبعد لا) مثل: لا يقومن زيد، تريد أن تنفي قيامه، فهذا قليل، ومنه قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:25].
وكوننا نقول إنه قليل وهو موجود في القرآن، في النفس منه شيء، لأن القليل معناه أنه ضعيف في اللغة العربية، والصواب: أنه بعد (لا) ليس قليلاً؛ لأنه موجود في القرآن وهو أفصح شيء.
قوله: (وغير إما من طوالب الجزاء).
أي: غير إما من أدوات الشرط؛ لأن طوالب الجزاء هي أدوات الشرط، مثل: إن تقومن أكرمك، فهذا قليل، والأكثر: إن تقم أكرمك.
فتبين بهذا أن الفعل المضارع يؤكد أحياناً، ولا يؤكد أحياناً، فتارة يجب التوكيد بأربعة شروط: أن يقع جواباً لقسم، مثبتاً، مستقبلاً، غير مفصول بينه وبين اللام بفاصل، ويمتنع إذا اختل شرط من ذلك، وإن شئت فقل: يمتنع توكيده في كل حال لا يؤكد فيها أي: لم يوجد فيها سبب يقتضي التوكيد.
ويكون كثيراً بعد إما من طوالب الجزاء، ومثاله قوله تعالى: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ} [الإسراء:23]، {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ} [الأنفال:57]، {فَإِمَّا تَرَيِنَّ} [مريم:26]، وهو كثير، ويقل بعد أدوات الشرط غير إما، وبعد ما، ولم، ولا.