قال المؤلف رحمه الله: (وللمنادى الناء أو كالناء يا) الناء يعني: البعيد، وأصله النائي بالياء، لكن حذفت الياء لضرورة الوزن.
(أو كالناء) يعني الذي كالنائي، أي: كالبعيد بكونه غافلاً أو ساهياً أو نائماً أو ما أشبه ذلك.
فالناء وشبهه له ياء فتقول: يا فلان! للبعيد بمد الصوت.
كذلك إذا كان غافلاً، مثل طالب من الطلبة يقلب الكتاب ولا ينتبه للمدرس فتقول له: يا فلان، ولو قال لك: أنا عندك قريب تقول: لكنك غافل.
كذلك النائم، نقول: يا فلان قم؛ لأنه كالبعيد في كونه يحتاج إلى مد الصوت.
ولهذا يقول: (يا، وأي، وآ، كذا أيا، ثم هيا).
وفي (أي) لغتان ثانيهما: آي، ونضيفها إلى الحروف فتكون ستة.
وقوله: (والهمز للداني ووا لما ندب) فصارت حروف النداء ثمانية: يا وأي وآي، وآ، وأيا، وهيا، وأ، ووا.
وقوله: (الهمز للداني) يعني: القريب، فالهمز للقريب المنتبه.
إذاً: الهمز للداني المنتبه الذي هو غير غافل وغير نائم، تقول: أزيد، ولا يحتاج لمد الصوت لكونه قريباً ومنتبهاً.
واعلم أنه قد ينزل البعيد منزلة القريب، وقد ينزل القريب منزلة البعيد، فقد ينادي الإنسان قريبه وصديقه وهو بعيد بلفظ الهمز كقول الشاعر: أفاطم مهلاً بعض هذا التدلل وإن كنت قد أزمعت صرماً فأجملي.
وقوله: (ووا لمن ندب) (وا) للذي ندب، وأصل الندب الدعاء؛ لكن المندوب عند النحويين هو المنادى المتفجع عليه أو المتوجع منه، فواحد يؤلمه ظهره، فيقول: واظهراه.
وواحد انهدم بيته يقول: وابيتاه! وآخر ماتت ناقته يقول: واناقتاه! وهذا متفجع عليه.
وإنما اختارت العرب (وا)؛ لأن دلالتها على التوجع ظاهرة جداً؛ لأنها تقال في الأشياء التي توحش أو تؤلم أو ما أشبهها.
وقوله: (أو يا) يعني: ويجوز أن تستعمل يا في الندبة فتقول: يا ظهراه، وهذا كثير في اللغة العامية.
وقوله: (وغير وا لدى اللبس اجتنب).
فيا تستعمل في محل (وا) بشرط ألا يكون هناك لبس، فإن كان هناك لبس فإننا نرجع إلى الأصل وهو (وا).
فالذي يتفجع على ناقته فيقول: واناقتاه، ولو قال: يا ناقتا، فإنه يصح.
لكن لو قال: يا ناقتي لا يكون ندبة، إذاً: لا يجوز أن تجعل (يا ناقتي) ندبة لأجل اللبس.
وقوله: (وغير وا) المقصود به (يا).
فانقسمت حروف النداء إلى أقسام.
الأول: ما كان للبعيد.
والثاني: ما كان للقريب.
والثالث: ما كان للندبة.
فالهمزة للقريب، و (وا) للندبة، والباقي للبعيد.
و (يا) أيضاً للندبة بشرط ألا يكون هناك لبس.