قال ابن مالك: [ومن ضمير الحاضر الظاهر لا تبدله إلا ما إحاطة جلا أو اقتضى بعضاً أو اشتملا كأنك ابتهاجك استمالا] (الظاهر) مفعول لفعل محذوف، وتقديره: لا تبدل الظاهر من ضمير الحاضر؛ لأن قوله (لاتبدله) مشغول النصب عن الظاهر بضميره.
يقول: لا تبدل الاسم الظاهر من ضمير الحاضر، وهو ضمير المتكلم وضمير المخاطب.
مثال ذلك لو قلت: ضربتك زيداً، فلا تجعل زيداً بدلاً من الكاف؛ لأن الكاف ضمير مخاطب (ضمير حاضر).
ومفهوم كلامه: أنه يجوز إبدال الاسم الظاهر من ضمير الغائب، وقد مثل به المؤلف فقال: (كزره خالداً)، فـ (خالداً) بدل من الضمير وهو ضمير غيبة.
ويفهم منه أنه يجوز إبدال الظاهر من الظاهر وهو كذلك.
ومثل له بقوله: (خذ نبلاً مدى)، فنبلاً ظاهر، ومدى ظاهر أيضاً.
وعلم من كلامه أنه لا يجوز إبدال الظاهر من ضمير المتكلم؛ لأنه ضمير حاضر فلا تقول: أكرمتني محمداً، على أن محمداً بدلاً من الياء.
وقد يفهم من كلامه أنه يجوز إبدال الضمير من الضمير، والصواب أن الضمير مع الضمير لا يكون بدلاً بل يكون توكيداً.
واستثنى المؤلف ثلاث مسائل يجوز فيها أن يكون الظاهر بدلاً من ضمير المتكلم أو ضمير الخطاب: الأولى في قوله: (إلا مع إحاطة جلا) والمعنى إلا ما أظهر إحاطة، أي: تفصيلاً دالاً على العموم، فيكون البدل دالاً على الإحاطة والشمول من شيء يحتمل الإحاطة ويحتمل عدمها.
مثال ذلك قوله تعالى: {تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} [المائدة:114] فإن قوله: (لأولنا وآخرنا) بدل من (نا) في قوله: (لنا)، لكنه بدل بإعادة الجار.
وتمثيل النحويين بذلك يدل على أن البدل على نية تكرار العامل حيث قال: إنه بدل بإعادة حرف الجر.
وقوله: (تكون لنا) يحتمل: لنا نحن الموجودين، ويحتمل: لبعضنا، ويحتمل: لنا معشر النصارى، فلما قال: لأولنا وآخرنا دل على الإحاطة والشمول، يعني: لنا جميعاً.
فإن قال قائل: هذا لا يدل على الإحاطة والشمول؛ لأنه قال: (لأولنا وآخرنا) ولم يقل: ووسطنا.
نقول: الوسط يدخل في هذا؛ لأن ذكر الطرفين يتضمن الوسط؛ لأنهما محيطان به مكتنفان له، فهو دال على الإحاطة والشمول.
المسألة الثانية: قال: (أو اقتضى بعضاً) يعني: صار بدل بعض من كل، تقول لعبدك: بعتك بعضك، فـ (بعض) بدل بعض من كل.
والمسألة الثالثة: قوله: (أو اشتمالاً) يعني: إذا كان بدل اشتمال أيضاً جاز أن يبدل الظاهر من الضمير الحاضر، مثل: (كإنك ابتهاجك استمالا) بكسر الهمزة، ويصلح (كأنك) بفتحها: كأنك ابتهاجك استمالا.
لكن بينهما فرق من جهة المعنى، إذا قلت: كأنك ابتهاجك استمالا، يعني: تتوقع أن ابتهاجه استمالا.
وإذا قلت: كإنك فإنك تؤكد أن ابتهاجه استمال.
ومن حيث الإعراب لا يختلف؛ لأن الكاف على كل تقدير محلها النصب، سواء جعلنا كأن للتشبيه أو الكاف حرف جر وإن للتوكيد.
وقوله: (ابتهاجك) بدل من الكاف في إنك.
وقوله: (استمالا) يحتمل أن المعنى: استمال الناس بمعنى أمالهم إليه وجذبهم.
أو أن استمال بمعنى: مال وتنحى، يعني: صار فيه ميل، ومعناه: أن هذا الرجل بدأ بعد البهجة والسرور يحزن.
وإذا قلنا: (استمالا) بمعنى أمال الناس فمعناه: أن الرجل لقوة ابتهاجه يميل الناس إليه.
ومثال آخر: عرفتك حقاً، فهذا بدل اشتمال.