قال ابن مالك: [وحذف متبوع بدا هنا استبح وعطفك الفعل على الفعل يصح].
في باب العطف عندنا تابع ومتبوع، فالمتبوع هو المعطوف عليه، والتابع المعطوف وابن مالك يقول: المتبوع إذا كان ظاهراً فاستبح حذف المتبوع إذا كان ظاهراً بيناً.
ومثلوا لذلك بقوله تعالى: {أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا} [غافر:21]، وقالوا: إن التقدير (فغفلوا ولم يسيروا في الأرض) فهنا حذف المتبوع وأبقى التابع.
وقد سبق لنا أن لعلماء النحو في مثل هذا التركيب وجهين: أحدهما: ما ذكر أن الهمزة داخلة على محذوف مقدر بحسب السياق.
الثاني: أن الهمزة مقدمة وأن محلها بعد العاطف، لكن قدمت لأن لها الصدارة، وأن هذه الجملة استفهامية معطوفة على ما سبق وأن أصل (أولم يسيروا): (وألم يسيروا) فلا يكون هناك شيء محذوف.
وقلنا فيما سبق: إن هذا الرأي أرجح؛ لأننا نسلم به من التقدير؛ ولأنه في بعض الآيات لا تستطيع أن تقدر شيئاً، وهذا الشيء المقدر إنما يقدر مما يفهم من السياق، وإذا كان السياق سيفهمنا إياه فلا حاجه إلى تقديره.
فقوله تعالى: ((أَوَ لَمْ يَسِيرُوا)) الاستفهام للتوبيخ ولا توبيخ إلا على غفلة، فتكون الغفلة مستفادة من مجرد الاستفهام وحينئذ لا نحتاج إلى تقدير، وأهم شيء عندي في هذا الموضوع هو أنه أحياناً يعييك التقدير فلا تستطيع أن تقدر الكلام، وحينئذ فنقول: الأرجح أن تكون الهمزة من بعد الواو، لكنها قدمت عليها؛ لأن همزة الاستفهام لها الصدارة.
لكن المؤلف رحمه الله يرى أنها من هذا النوع، وهم مثلوا بهذه الآية.
قوله: (وعطفك الفعل على الفعل يصح).
(عطف) مبتدأ، و (الفعل) مفعول للمصدر، والمعنى: وإن تعطف الفعل على الفعل فهو صحيح.
لكن هل العطف على الجملة، أم العطف على الفعل؟ يقال: العطف على الفعل، والدليل على ذلك أنك إذا عطفت فعلاً على فعل مجزوم جزمت، وهذا دليل على أن الفعل هو الذي يعطف، فتقول مثلاً: (إن تجتهد وتعرف الإعراب تنجح في النحو)، فقوله: (وتعرف) معطوف على (تجتهد)، والدليل على ذلك أنه مجزوم.
ومنه قول الله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} [الفرقان:68 - 69]، فعطف (يخلد على (يضاعف).