قال المؤلف رحمه الله: [وعود خافض لدى عطف على ضمير خفض لازماً قد جعلا وليس عندي لازماً إذ قد أتى في النظم والنثر الصحيح مثبتا] (عودُ): مبتدأ خبره جملة: (قد جُعل).
(ولازماً) المفعول الثاني لجُعل مقدم، ونائب الفاعل في جُعل مستتر هو المفعول الأول.
والخافض يشمل ما إذا كان الخافض حرفاً وما إذا كان الخافض اسماً، فإنه يجب إعادته إذا عطف على الضمير المتصل المجرور، وفي البيتين الأولين يتكلم على العطف على ضمير رفع، فأفادنا أنه إن كان متصلاً وجب الفصل بين حرف العطف والضمير، وإن كان منفصلاً لم يجب الفصل.
ثم انتقل إلى ضمير الجر ولا يكون ضمير الجر إلا متصلاً.
فيقول: إذا عطفت على ضمير مجرور؛ فإنه يجب عليك أن تعيد الجار سواء كان اسماً أو كان حرفاً.
ومثال ذلك أن تقول: مررت بك وبزيد، ولا يجوز أن تقول: مررتُ بك وزيدٍ.
وتقول: زرت المسجد فجلست فيه وفي البيت، ولا تقول: جلست فيه والبيت.
ومثال الجر بالاسم قولنا: هذا غلامك وغلام زيد، ولا نقول: هذا غُلامك وزيدٍ.
يقول: (وليس عندي لازماً) هذا اختيار لـ ابن مالك، والتعليل: (إذ قد أتى في النظم والنثر الصحيح مثبتا)، وما دام قد جاء في النظم والنثر الصحيح البليغ فكيف يجب؟! وقد قال الله تعالى: {وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ} [البقرة:217]، فقال: ((وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)) ولم يقل: وبالمسجد الحرام.
وقال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النساء:1]، على قراءة الجر (والأرحامِ) والتقدير: وبالأرحام.
لكن المقدر ليس كالموجود، وكل عطف فهو على تقدير إعادة العامل، فإذا قلت: قام زيد وعمرو، فالتقدير: وقام عمرو.
إنما الكلام على أن ابن مالك رحمه الله يقول: أنا لا أرى أنه يجب إعادة الخافض الجار؛ لأنه ورد في القرآن الكريم، وهو أصح الكلام.
ولكن المشكل أن المتعصب لمذهب يحاول أن يحرف فيقول: الواو في قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامِ} [النساء:1].
حرف قسم، فالله يقسم بالأرحام.
وهذا بعيد، بل هو يخبر ويقول: اتقوا الله الذي تساءلون به وتساءلون بالأرحام.
ومن أمثلة ذلك قول الشاعر: فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا فاذهب فما بك والأيامِ من عجب يعني: فما بك وبالأيام من عجب.
وهذا البيت يمكن أن يؤول فيقال: الواو حرف قسم، يعني: أنه أقسم بالأيام، ولكن الأصل خلاف ذلك.
وخلاصة الدرس: إذا عطفنا على ضمير رفع متصل وجب الفصل إما بضمير منفصل أو غيره؛ لقول ابن مالك: (أو فاصل ما).
وإذا عطفنا على ضمير مجرور وجب إعادة الجار على المشهور من كلام النحويين ولا يجب عند ابن مالك وهو الصحيح.
وإذا عطفنا على ضمير منصوب -وهذا لم يذكره المؤلف- فنقول: المسكوت عنه معفو عنه، فإذا عطفت عليه فلا تعد الناصب، ولا يجب عليك الفصل، فتقول: أكرمتك وزيداً، أو أكرمتني وصديقي، فهذا يصح، وليس لازماً أن نقول: أكرمتني وأكرمتَ صديقي، ولا: أكرمتك وأكرمت زيداً.