[فأوليَنه من وفاق الأول ما من وفاق الأول النعت ولي] (أولينه) يعني: أعطه، (من وفاق الأول) الأول المتبوع.
وقوله: (ما من وفاق الأول النعت ولي).
يعني: ما أعطي النعت من وفاق الأول.
وإعراب البيت كما يلي: (أولينه): فعل أمر والهاء مفعول أول.
وقوله: (ما من وفاق)، (ما): هي المفعول الثاني.
وقد سبق أن النعت يتبع المنعوت في أربعة من عشرة: في واحد من أوجه الإعراب، وفي واحد من التعريف أو التنكير، وفي واحد من الإفراد وفرعيه، وفي واحد من التذكير والتأنيث.
وهذا أيضاً يتبع في أربعة من عشرة، مثلاً: إذا كان المتبوع مرفوعاً صار عطف البيان مرفوعاً، وإذا كان المتبوع منصوباً صار عطف البيان منصوباً، وإذا كان مفرداً صار عطف البيان مفرداً، وإذا كان مؤنثاً صار عطف البيان مؤنثاً، والعكس بالعكس.
وفهمنا من قول المؤلف إنه يعطى أحكام النعت بالتبعية أنه يجوز أن يكون عطف البيان بين نكرتين، وإلى هذا أشار بقوله: [فقد يكونان منكرين كما يكونان معرفين] فقاس المختلف فيه على المتفق عليه.
والنحويون: بصريهم وكوفيهم اتفقوا على أن عطف البيان يكون بين معرفتين؛ لأنه يفيد التخصيص، فتقول مثلاً: جاء أبو بكر عبد الله بن أبي قحافه، أبو بكر معرفة وهو المتبوع، وعبد الله معرفة وهو التابع.
هل يكون بين نكرتين؟
صلى الله عليه وسلم نعم، وهذا ما ذهب إليه ابن مالك مع أن ابن مالك يعد من البصريين لكنه بصري مجتهد يميل إلى ما يراه هو الصواب؛ ولهذا مذهب الكوفيين ومنهم ابن آجروم أنه يقع عطف البيان بين نكرتين، فوافقهم على هذا، واستشهدوا لذلك من القرآن، فقالوا: إن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ} [إبراهيم:16] (ماء) نكرة، ونوع الماء صديد، وصديد اسم جامد، ومع ذلك صار عطف بيان.
والبصريون يجيبون على الآية فيقولون: هذا بدل.
وسيأتينا أن ضابط البدل: هو الذي لو حذف المبدل منه قام مقامه، فلو قال سبحانه وتعالى: ويسقى من صديد، استقام الكلام، فهو إذاً بدل وليس عطف بيان.
أما هؤلاء فيقولون: نحن نقول: إنه يجوز أن يكون بدلاً، لكن يجوز أيضاً أن يكون عطف بيان.
وكذلك أيضاً قوله تعالى: {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ} [النور:35] فزيتونة عطف بيان؛ لأن (زيتونة) ليست مشتقاً فهي عطف بيان.
وأولئك يقولون: إنها بدل؛ لأنه لو قال: يوقد من زيتونة مباركة لصح.
لكن نقول: هي أيضاً عطف بيان.
ويقولون: إن المراد بعطف البيان أنه يبين متبوعه ويخصصه ويميزه من غيره، والنكرة لا تبين النكرة.
والرد عليهم بسيط جداً، وهو: أن النكرة الموصوفة أو المبينة مخصصة، فبدلاً من أن نقول: (من ماء) ونطلق ويكون صالحاً لكل ماء، ميز هذا الماء بقوله: (صديد).
وبدلاً من أن (شجرة مباركة) عامة لكل شجرة مباركة خصصها بقوله: زيتونة.
فالتخصيص حتى في النكرات موجود.
فإذاً: دليلهم ليس بصحيح؛ ولهذا مشى ابن مالك على هذا القول وهو أنه يجوز أن يكون عطف البيان ومتبوعه نكرتين.