قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ونعتوا بمصدر كثيراً فالتزموا الإفراد والتذكيرا ونعت غير واحد إذا اختلف فعاطفاً فرقه لا إذا ائتلف ونعت معمولي وحيدي معنى وعمل أتبع بغير استثناء وإن نعوت كثرت وقد تلت مفتقراً لذكرهن تبعت واقطع أو اتبع إن يكن معينا بدونها أو بعضها اقطع معلنا وارفع أو انصب إن قطعت مضمراً مبتدأً أو ناصباً لن يظهرا وما من المنعوت والنعت عقل يجوز حذفه وفي النعت يقل].
قول المؤلف رحمه الله: (ونعتوا بمصدر كثيراً)، إذاً: فالمسألة مسألة استعمال، فيعود الضمير في (نعتوا) على المستعملين وهم العرب، لا النحاة.
قوله: (بمصدر كثيراً)، كثيراً: مفعول مطلق لنعتوا، يعني: نعتوا نعتاً كثيراً بالمصدر، ولهذا يمر بكم في القرآن وفي السنة وفي كلام العرب وفي كلام الناس النعت بالمصدر كثيراً؛ فتقول مثلاً: هذا رجل عدل، فكلمة (عدل) هي مصدر عدل يعدل عدلاً.
كذلك تقول: هذا رجل ثقة، فـ (ثقة) مصدر وثق يثق ثقة كوعد يعد عدة، وتقول: هذا رجل رضا، ورضا مصدر رضى يرضى رضا.
فإذا نعت بالمصدر يقول المؤلف (فالتزموا الإفراد والتذكير)، أي: العرب الذين نعتوا بالمصدر التزموا الإفراد ولو كان المنعوت مثنى أو جمعاً، والتزموا التذكير ولو كان المنعوت مؤنثاً، يعني أنهم أبقوا المصدر على حاله، فتقول: هذا رجل عدل، وهذه امرأة عدل، وهذان رجلان عدل، وهؤلاء رجال عدل، وهؤلاء نساء عدل، وهاتان امرأتان عدل.
فالتزموا الإفراد والتذكير؛ وذلك لأن المصدر لا يجمع ولا يثنى، بل يبقى على ما هو عليه، لكن كيف يكون تأويل هذا المصدر؛ لأننا نعرف أن المصدر نعت، والنعت صفة دالة على ذات، فالعدل غير العادل، والرضا غير المرضي؟ ذكروا في تأويله ثلاثة أوجه: الأول: أن المصدر بمعنى اسم الفاعل إن كان قائماً بالمنعوت، أو بمعنى اسم المفعول إن كان واقعاً على المنعوت، فقولك: رضا بمعنى مرضي، وعدل بمعنى عادل، الأول بمعنى اسم الفاعل والثاني بمعنى اسم المفعول.
يعني أن المصدر مؤول بمشتق، إما اسم الفاعل أو اسم المفعول.
الثاني: أن المصدر على حاله وإنه على تقدير مضاف أي: ذو عدل، تقول: هذا رجل ذو عدل وهذان رجلان ذوا عدل، ورأيت رجلين ذوي عدل، قال الله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق:2].
الثالث: أن هذا النعت دال على صفة وصاحبها، فقولك: مررت برجل قائم (قائم) دال على صفة وعلى ذات وهي صاحبة الصفة، فجعلنا هذا المنعوت نفس المصدر من باب المبالغة، وكأنه هو نفس ذلك المنعوت، فقولك: هذا رجل عدل، جعلت العدل كأنه هذا الرجل.
ولكن في كتب الفقه: (يثبت دخول الشهر غير رمضان بشهادة عدلين) فثني المصدر، وهذا من باب تسامح الفقهاء، والأصل أن يقال: بشهادة اثنين عدل أو ذوي عدل، مثلما قال الله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ} [الطلاق:2]، ولم يقل سبحانه وتعالى: وأشهدوا عدلين.