قال ابن مالك: [وتلو أل طبق وما لمعرفه أضيف ذو وجهين عن ذي معرفه هذا إذا نويت معنى من وإن لم تنو فهو طبق ما به قرن] قال ابن عقيل: (إذا كان أفعل التفضيل بأل لزمت مطابقته لما قبله في الإفراد والتذكير وغيرهما، فتقول: زيد الأفضل، والزيدان الأفضلان، والزيدون الأفضلون، وهند الفضلى، والهندان الفضليان، والهندات الفضل أو الفضليات).
ولا يجوز عدم مطابقته لما قبله، فلا تقول: الزيدون الأفضل، ولا الزيدان الأفضل، ولا هند الأفضل، ولا الهندان الأفضل، ولا الهندات الأفضل.
ولا يجوز أن تقترن به (من)، فلا تقول: زيد الأفضل من عمرو، فأما قوله: ولست بالأكثر منهم حصى وإنما العزة للكاثر فيخرج على زيادة الألف واللام، والأصل: ولست بأكثر (منهم)، أو جعل منهم متعلقاً بمحذوف مجرد عن الألف واللام، لا بما دخلت عليه الألف واللام والتقدير: ولست بالأكثر أكثر منهم.
قول المؤلف: (أو يحمل على زيادة الألف واللام والأصل: ولست بأكثر منهم إلخ) هو تأويل من المؤلف لأجل سلامة القاعدة؛ لأن القاعدة: أن (من) لا تدخل على المحلى بأل.
ولكن لو قيل: إنها تأتي على سبيل الندرة والقلة لكان أولى، أما أن نتكلف ونقول: (أل) زائدة، أو أن هناك اسم تفضيل مجرداً من أل؛ فلا داعي له.
قال ابن عقيل: [وأشار بقوله: (وما لمعرفة أضيف إلخ) إلى أن أفعل التفضيل إذا أضيف إلى معرفة وقصد به التفضيل جاز فيه وجهان: أحدهما: استعماله كالمجرد فلا يطابق ما قبله، فتقول الزيدان أفضل القوم، والزيدون أفضل القوم، وهند أفضل النساء، والهندان أفضل النساء، والهندات أفضل النساء.
والثاني: استعماله كالمقرون بالألف واللام؛ فتجب مطابقته لما قبله، فتقول: الزيدان أفضلا القوم، والزيدون أفضلوا القوم، وأفاضل القوم، وهند فضلى النساء، والهندان فضليا النساء، والهندات فضل النساء، أو فضليات النساء.
ولا يتعين الاستعمال الأول خلافاً لـ ابن السراج.
وقد ورد الاستعمالان في القرآن: فمن استعماله غير مطابق قوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [البقرة:96]].
ولو طابق لقال: ولتجدنهم أحرصي الناس على حياة.
قال ابن عقيل: [ومن استعماله مطابقاً قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا} [الأنعام:123]].
ولو لم يطابق لقال: أكبر مجرميها.
قال ابن عقيل: [وقد اجتمع الاستعمالان في قوله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني منازل يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، الموطئون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون).
فالذين أجازوا الوجهين قالوا: الأفصح المطابقة، ولهذا عيب على صاحب الفصيح في قوله: (فاخترنا أفصحهن)، قالوا: فكان ينبغي أن يأتي بالفصحى، فيقول: فصحاهن.
فإن لم يقصد التفضيل تعينت المطابقة، كقولهم: الناقص والأشج أعدلا بني مروان، أي: عادلا بني مروان.
وإلى ما ذكرناه من قصد التفضيل وعدم قصده أشار المصنف بقوله: (هذا إذا نويت معنى من البيت) أي: جواز الوجهين -أعني: المطابقة وعدمها- مشروط بما إذا نوى بالإضافة معنى (من)، أي إذا نوى التفضيل، وأما إذا لم ينو ذلك فيلزم أن يكون طبق ما اقترن به.
قيل: ومن استعمال صيغة أفعل لغير التفضيل قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم:27]، وقوله: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ} [الإسراء:54]، أي: وهو هين عليه، وربكم عالم بكم، وقول الشاعر.
وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل أي: لم أكن بعجلهم.
وقوله: إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتاً دعائمه أعز وأطول أي: دعائمه عزيزة طويلة.
وهل ينقاس ذلك أم لا؟ قال المبرد: ينقاس، وقال غيره: لا ينقاس، وهو الصحيح، وذكر صاحب الواضح: أن النحويين لا يرون ذلك، وأن أبا عبيدة قال في قوله تعالى: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم:27]، إنه بمعنى هين، وفي بيت الفرزدق وهو الثاني: إن المعنى عزيزة طويلة.
وأن النحويين ردوا على أبي عبيدة ذلك، وقالوا: لا حجة في ذلك له).
الأمثلة الذي ذكر المؤلف كقوله: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم:27]، هذا الصحيح أنه على بابه، والكل عليه هين، لكنه أراد أن يخاطب هؤلاء المنكرين للبعث بأمر ظاهر عقلاً، وهو أن الإعادة أهون من الابتداء، أي: فكيف تبصرون ما هو أهون في عقولكم ومحسوسكم ثم تنكرون الأسهل مع قولكم: إن الإعادة أهون من الابتداء، مثل قوله: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [سبأ:24]، ومعلوم أن هؤلاء المكذبين على ضلال وأن الرسول على هدى.
كذلك {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ} [الإسراء:54]، فالصحيح أنه على بابه، وأنه أعلم بنا من أنفسنا، وليس المعنى عالم بكم فقط، بل هو أعلم بكم سبحانه وتعالى.
وكذلك أيضاً قول الشاعر: لم أكن بأعجلهم، يعني: ليست بأعجل القوم، وليس المعنى: ولست بعجلهم، والمعنى: لست بأول من يمد يده، لأن ذلك دليل على شرهه ونهمته، وأنه لا يتمالك نفسه حتى يقال له: تفضل.
وكذلك أيضاً قوله: (إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتاً دعائمه أعز وأطول).
أي: ليس هو أعز وأطول من كل شيء، إنما قصده أعز وأطول من البيوت الأخرى، والعزة معروفة، و (أطول) من الطول المعنوي يراد به التفضيل.