يقول المؤلف: [وإن يقدم مشعر به كفى كالعلم نعم المقتنى والمقتفى] إن يقدم مشعر بالمخصوص كفى عن ذكر المخصوص، مثاله: (كالعلم نعم المقتنى والمقتفى).
وهذا مثال عظيم؛ فالعلم أفضل من المال، لو جاء عالم وتاجر، فالعالم أفضل فيما اقتنى بلا شك، وهذا أمرٌ تكفل الله به فقال: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11] ولم يقل: الذين أوتوا المال.
ولهذا تجد ذكر العلماء مرفوعاً حتى بعد موتهم؛ لكن أهل الأموال يذهبون مع أموالهم، وتقسم أموالهم بين الورثة وتنتهي، فالعلم هو القنية النافعة التي يثنى عليها، و (المقتفى) يعني: المتبع.
وعلى هذا فالمراد به العلم الشرعي، أما العلم الذي ليس بشرعي فهو على حسب ما يكون وسيلة له، فإن كان وسيلة إلى خير فهو خير، وإن كان وسيلة إلى شر فهو شر، وهذا المثال يوجب على طالب العلم أن يحرص على طلب العلم، لأن العلم نعم المقتنى والمقتفى.
والمخصوص في هذا المثال: العلم، فـ (العلم): مبتدأ، و (نعم): فعل ماض، و (المقتنى): فاعل، والجملة من الفعل والفاعل خبر المبتدأ، و (المقتفى): معطوف على (المقتنى).
فلا نقول: العلم نعم المقتنى العلم، ولهذا قال المؤلف: كفَى، أي: فلا حاجة إلى ذكره.
والكاف في (كالعلم) نقول: إنها داخلة على الجملة فتبقى الجملة على ما هي عليه، وقد ذكرنا أن للمعربين فيها وجهين: أحدهما: أن (الكاف) حرف جر، و (العلم نعم المقتنى والمقتفى) اسم مجرور بالكاف لأنه مؤول بقولك: كهذا المثال.
والثاني: أن الكاف حرف جر، وأن المجرور محذوف، والتقدير: كقولك العلم نعم المقتنى والمقتفى.
قال ابن عقيل رحمه الله تعالى: [ويذكر المخصوص بعد مبتدأ أو خبر اسم ليس يبدو أبداً يذكر بعد نعم وبئس وفاعلهما اسم مرفوع هو المخصوص بالمدح أو الذم، وعلامته: أن يصلح لجعله مبتدأ وجعل الفعل والفاعل خبراً عنه نحو: نعم الرجل زيد، وبئس الرجل عمرو، ونعم غلام القوم زيد، وبئس غلام القوم عمرو ونعم رجلاً زيد، وبئس رجلاً عمرو، وفي إعرابه وجهان مشهوران] أ.
هـ.