قال المؤلف رحمه الله: [المعرب والمبني] هذا عنوان لهذا الباب، وبدأ بالمعرب لشرفه، ثم أتى بالمبني لأن مرتبته دون المعرب، ولأن المبني أقل من المعرب والمعرب أكثر.
وقد بين المؤلف رحمه الله في هذا الباب ما هو المعرب والمبني من الأسماء والأفعال والحروف.
أما الأسماء فقسمها إلى قسمين، قال: [والاسم منه معرب ومبني].
منه معرب: مبتدأ وخبر، المبتدأ: معرب، والخبر: منه.
(ومبني): الواو حرف عطف.
مبني: مبتدأ خبره محذوف، والتقدير: ومنه مبني؛ لأنك لو قلت: منه معرب ومبني جمعت بين الضدين، ولكن الواقع أن منه معرباً ومنه مبنياً.
ونظير هذا التعبير قوله تعالى: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} [هود:105] فلا يصح أن تقول: سعيد معطوفة على شقي، بل تقول: سعيد: مبتدأ خبره محذوف، أي: ومنهم سعيد.
ما هو المعرب؟ المعرب: ما يتغير آخره بحسب العوامل، مثل زيد، تقول: قام زيد، ضربت زيداً، مررت بزيد، فتجد أن آخره تغير بحسب العوامل.
وسمي معرباً؛ لأنه يفصح عن المعنى، وذلك أنه إذا تغيرت الحركات فهم المعنى.
والمبني: هو ما لزم حالاً واحدة.
وإن شئت فقل: ما لا يتغير آخره باختلاف العوامل، يعني: قد يتغير لكن لا لاختلاف العوامل، فمثل (حيث) يقال فيها: حيثُ وحيثَ وحيثِ وحوث، لكن هذا الاختلاف ليس من أجل اختلاف العامل، بل هو اختلاف لغة.
فالمبني إذاً تعريفه: ما لا يتغير آخره باختلاف العوامل، بل هو باق على ما هو عليه، لكن ما سبب البناء؟ أنا أقول ولست بنحوي: سبب البناء وروده عن العرب، أي أن العرب جعلوا هذه الكلمة مبنية لم يغيروها باختلاف العوامل، والكلمة الأخرى معربة يغيرونها باختلاف العوامل.
فالحاكم في الألفاظ إعراباً وبناء هو ما سمع عن العرب، لكن مع ذلك التمس أهل الفن -أعني النحويين- عللاً للبناء، واختلفوا في هذه العلل، وأكثرهم على ما قال ابن مالك: [لشبه من الحروف مدني] أي سبب بناء الأسماء قربها من الحروف في الشبه، والحروف مبنية، فما قاربها شبهاً من الأسماء أعطي حكمها، هكذا ذهب المؤلف رحمه الله وأكثر النحويين.
أما أنا ولست بنحوي فأقول: منه مبني لسماع ذلك عن العرب، وانتهى.
والشبه أنواع، يقول: (لشبه من الحروف مدني) أي: مقرب، أما الشبه البعيد فلا عبرة به، لكن الشبه المقرب يجعل الكلمة مبنية.