مجيء الباء بمعنى مع ومن وعن

قوله: (ومثل مع ومن وعن بها انطق).

يعني: أن الباء تأتي بمعنى: مع، وتأتي بمعنى: من، وتأتي بمعنى: عن.

تأتي بمعنى (مع) كما لو قلت: بعتك الفرس بلجامه، أي: مع لجامه.

وتقول: بعتك السيارة بمفاتيحها.

أي: مع المفاتيح.

وتأتي أيضاً بمعنى (من)، ومثلوا لذلك بقوله تعالى: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا} [الإنسان:6]، أي: يشرب منها؛ لأن العين يشرب منها لا بها، وقد سبق لنا أن الصحيح في هذه الآية أن الباء للسببية لا بمعنى (من)، وأن (يشرب) مضمنة معنى (يروى).

وذكرنا: أن الأصح أن يضمن الفعل لا أن يجعل الحرف بمعنى حرف آخر، وأن تضمين الفعل يستلزم معنى أصل الفعل وزيادة، فقولك: (يشرب بها عباد الله) قلنا: إن (يشرب) مضمن معنى: (يروى)، فتضمن الشرب والري.

كذلك تأتي الباء بمعنى (عن)، كما لو قلت مثلاً: سألتك بعلمك، أي: عن علمك.

وتقول: رضيت بالله رباً، أي: رضيت عن الله رباً.

وقال تعالى: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} [المعارج:1]، أي: عن عذاب.

وقال بعض أهل العلم: إن الباء هنا على بابه، وإن المعنى: سأل سائل وأجيب بعذاب واقع للكافرين، وإن السؤال هنا ضمن معنى الجواب، فيكون هذا أبلغ؛ لأنه لو قرأنا: (سأل سائل عن عذاب واقع {لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ} [المعارج:2 - 3] فأين الجواب؟ والواقع أن الآيات تجيب عن هذا السؤال، ولهذا قال بعض العلماء: إن الباء هنا على أصلها، وإن السؤال هنا ضمن معنى الجواب، كأنه قال: سأل سائل فأجيب بعذاب واقع للكافرين إلى آخره.

وبهذا تبين أن للباء تسع معان: الظرفية، والسببية، والاستعانة، والتعدية، والتعويض، والإلصاق، ومثل مع، ومن، وعن.

ويذكر بعضهم من معانيها المصاحبة، وهي لا تخرج عن الإلصاق، ولكنها إما أن تكون حسياً أو معنوياً.

وقوله: (سبحانك اللهم وبحمدك) الباء هنا للإلصاق، وقيل: إن الباء للاستعانة، أي: سبحتك بحمدك، فعلى المعنى الأول تكون جملة جامعة بين التنزيه والثناء، أي: تسبيح ثم حمد.

وعلى قول الذي يقولون: إن الباء للاستعانة، تكون الجملة مشتملة على التسبيح لكنه بمعونتك التي تحمد عليها، وعلى هذا فكونها للمصاحبة أولى، لكن بعضهم لم يعدها، قال: لأن المصاحبة داخلة في الإلصاق.

إعراب: ذهب الله بنورهم: ذهب: فعل ماض مبني على الفتحة.

لفظ الجلالة فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.

بنورهم: جار ومجرور ومضاف إليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015