قال المصنف رحمه الله تعالى: [واللام للملك وشبهه وفي تعدية أيضاً وتعليل قفي وزيد والظرفية استبن ببا وفي وقد يبينان السببا] قوله: (واللام للملك وشبهه) أي: أن اللام تفيد التمليك وشبه التمليك، فالتمليك أن يكون مدخولها مالكاً لما سبق، أو إن شئت فقل: أن تقع بين شيئين الثاني منهما مالك للأول.
مثاله: الكتاب للطالب، أي: ملك للطالب، فالثاني مالك للأول، أي: أن مدخولها مالك لما قبله، وقد يتأخر عنه مثل: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ} [آل عمران:189]، فهنا تأخر الأول عنها وعن الثاني؛ لكن الحكم لا يتغير، فاللام هنا للملك.
قوله: (وشبهه) وهو ما يسمى بالاختصاص، وهو: أن يكون مدخولها مختصاً بالأول لا مالكاً، مثاله: العلف للدابة، أو الزمام للجمل، فليس هو ملكه، لكنه اختصاص، وقوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة:60] اللام هنا للملك.
قال: (وفي تعدية أيضاً) يعني: أن اللام تأتي للتعدية.
ومعنى التعدية: أن تدخل على مفعول عامله ضعيف ليتعدى إلى المفعول، مثل اسم الفاعل إذا تأخر فضعف عمله، تقول مثلاً: أنا ضاربٌ لزيد، أصلها: أنا ضاربٌ زيداً، وكذلك: أنا لزيد ضارب، فاللام هنا لا تصلح للملك ولا لشبه الملك، لكنها للتعدية.
قال: (وتعليل قفي) أي: وتأتي اللام للتعليل كثيراً: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، وكأني بكم تقولون: إن (يعبدون) فعل وليست اسماً، لكنني أقول: إنه فعل مؤول بمصدر، والتقدير: إلا لعبادتي، فاللام للتعليل.
وكذلك أيضاً قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة:29]، أي: لأجلكم.
وتقول: (جئت لأقرأ) أي لأجل القراءة.
وكذلك كل أفعال الله تعالى التي تتعدى باللام هي للتعليل: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} [الإسراء:1]، فاللام للتعليل.
قال المؤلف: [وزيد والظرفية استبن ببا وفي وقد يبينان السببا] (وزيد): أي: أن اللام تأتي زائدة، أي أنها تأتي لا لمعنى كقوله تعالى: {إِنْ كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف:43].
وهذا المثال فيه نظر، ووجه النظر: أن اللام في قوله: (للرؤيا تعبرون) يظهر أنها للتعدية؛ لأنها دخلت على المفعول لضعف العامل بتأخره.
ومثلوا في الزائدة بما يقال كثيراً: لا أبا لك، ومنه: سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولاً لا أبا لك يسأم قالوا: إن اللام هنا زائدة، والدليل على زيادتها: أن (أبا) أعربت بالألف، ومن شرط إعرابها بالألف أن تضاف، ولو قلنا: إن اللام غير زائدة لكان يقول: لا أباً لك، أو: لا أب لك، بدون ألف، فلما أعربت بالألف دل هذا على أن اللام زائدة، وأصلها: لا أباك، وهذا أحد الوجوه في قوله: لا أبا لك.
وفي وجه آخر: أنها على لغة من يلزم الأسماء الخمسة الألف مطلقاً، وعلى هذا فلا يكون فيها شاهد.