قال المؤلف: [للانتها حتى ولام وإلى].
معناه: أن (حتى واللام وإلى) تأتي للانتهاء.
مثال (حتى) قوله تعالى: {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر:5].
ومنه أيضاً: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ} [البقرة:187].
البصريون يقولون: حتى: حرف جر والفعل منصوب بأن مضمرة بعد حتى، وعلى هذا فيكون المعنى: وكلوا واشربوا حتى تبيُّن، فيؤول بمصدر.
أما الكوفيون فيرون أن (حتى) نفسها تنصب الفعل، وهي على كل حال للانتهاء.
كذلك اللام تكون للانتهاء، مثل أن تقول: سرت من عنيزة لمكة، بمعنى: إلى مكة، ومثل قوله تعالى: {كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} [الرعد:2]، أي: إلى أجل، كما في آية أخرى.
فاللام تأتي للغاية.
و (إلى) كذلك، وهي الأصل، قال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} [الإسراء:1].
والغاية غير داخلة إلا بقرينة، فلو قلت مثلاً: سرت إلى مجرى السيل، فالمعنى أنك لم تدخل فيه.
وقال تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187] ولا يدخل الليل في الصيام، فابتداء الغاية ليس بداخل.
وإذا قلنا مثلاً: لك هذه الأرض إلى الجبل، فالجبل لا يدخل.
أما إذا وجدت قرينة فإنه يدخل، ومنه قوله تعالى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة:6]، فإن المرفق داخلة لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم.
قوله: (ومن وباء يفهمان بدلاً): يعني: يأتيان للبدلية، أي: بمعنى بدل.
إذا: (من) تأتي للتبعيض وللبيان وللابتداء وتأتي زائدة، وتأتي بمعنى بدل، قال الله تعالى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأَرْضِ يَخْلُفُونَ} [الزخرف:60] أي: بدلكم.
وقال: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ} [التوبة:38]، أي بدل الآخرة، وليس المعنى أن الدنيا من الآخرة.
وتقول: اقتنعت بالدرهم من الدينار، أي: بدل الدينار.
والباء أيضاً تأتي بدلية بمعنى بدل، مثل قولك: ما أحب أن لي بها حمر النعم.
أي: ما أحب أن لي بدلها حمر النعم.
ومثلها قول كعب بن مالك: ما أحب أن لي بها بدراً، يعني: بدلاً عنها بدراً.
ومنه قول الشاعر: لكن قومي وإن كانوا ذوي حسب ليسوا من الشر في شيء وإن هانا يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ومن إساءة أهل السوء إحساناً فهو يقول: قومي وإن كانوا ذوي حسب وشرف لا يحبون الشر ولو كان هيناً، وإذا ظلمهم أحد يجازون الظلم بالمغفرة، وإذا أساء إليهم يجازون الإساءة بالإحسان، أي أنهم جبناء لا ينصرونه، ولهذا قال: فليت لي بهمُ قوماً إذا ركبوا شنوا الإغارة فرساناً وركبانا لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهانا طيب، الشاهد قوله: (فليت لي بهم قوماً) أي: بدلهم.
إذاً: الباء تأتي بمعنى: بدل، وكذلك (من) تأتي بمعنى: بدل.