قال المؤلف رحمه الله: [والحال قد يجيء ذا تعدد لمفرد فاعلم وغير مفرد].
قوله: (الحال قد يجيء ذا تعدد) يعني: قد يأتي متعدداً، لمفرد ولغير مفرد، ولهذا قال: (لمفرد فاعلم).
وقوله: (فاعلم) يعني: لا تستنكر أن يكون صاحب الحال واحداً وأحواله متعددة.
أما لغير مفرد، فليس فيه استنكار، ولهذا لم يقل: (فاعلم).
ومعنى ذلك: أن الحال قد تجيء متعددة، وقد تكون لمفرد، وقد تكون لجماعة، وقد تأتي واحدة لجماعة، فالأقسام ثلاثة.
قال الله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ} [إبراهيم:33].
هنا الحال واحدة، وصاحبها متعدد، وهو الشمس والقمر.
وقال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ} [النحل:12].
الحال واحدة وهي لجماعة: الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم.
فبدلاً من أن يقول: سخر لكم الليل مسخراً، والنهار مسخراً، والشمس مسخرة، والقمر مسخراً، والنجوم مسخرة؛ قال: مسخرات.
ومثال التعدد للمفرد: جاء الرجل راكباً غانماً، فالرجل واحد، والحال متعددة (راكباً غانماً).
قوله: (وغير مفرد) يعني: قد تكون الحال متعددة لجماعة، كل واحد من الجماعة له حال مثل أن تقول: ضرب الرجل قائماً بعيره باركةً، فالحال متعددة وهي: قائماً، وباركاً، وصاحب الحال متعدد أيضاً وهو: الرجل والبعير.
إذا تعددت الحال وتعدد صاحبها ولم يوجد دليل على أن الأولى للأول والثانية للثاني أو العكس مثل: ضرب زيداً عمراً جالساً قائماً، فإن جمهور النحويين يقولون: إن الحال الأولى للثاني، والحال الثانية للأول، ويعللون ذلك بأنه ينبغي أن تكون الحال الأولى للثاني حتى تكون مباشرة له، ونجعل الثانية للأول.
وبعض النحويين يقول بالعكس، وذلك مثلما أننا في البلاغة نجعل المسألة من باب اللف والنشر المرتب، فنجعل الأول للأول والثاني للثاني.
لكن النحويين يقولون: إنك إذا جعلت الأول للأول والثاني للثاني فقد فصلت بين الحال وصاحبها في الموضعين، وإذا جعلت الأول للثاني، والثاني للأول فصلت بين الحال وصاحبها في موضع واحد، ولا ريب أن الفصل بين الحال وصاحبها في موضع واحد أهون من الفصل بين الحالين وصاحبيهما.