قال المؤلف رحمه الله: [ونحو زيد مفرداً أنفع من عمرو معاناً مستجازٌ لن يهن] ابن مالك رحمه الله يأتي بالمثال أحياناً لتستنبط منه القاعدة.
قوله: (مفرداً) حال العامل فيها كلمة (أنفع)، إذاً: هي حال مقدمة على العامل، والعامل اسم تفضيل فهو ليس فعلاً متصرفاً ولا صفة أشبهت الفعل المتصرف، وتقدم أن ابن مالك يقول: والحال إن ينصب بفعل صرفا أو صفةٍ أشبهت المصرفا فجائز تقديمه فاشترط لجواز تقديمه على عامله أن يكون العامل فعلاً متصرفاً أو صفة تشبهه، إذاً: فهذا البيت مستثنى منه.
أما قوله: (أنفع من عمرو معاناً)، فليس فيها شاهد؛ لأن (معاناً) عاملها (أنفع)، وهي متأخرة عليه.
فالشاهد قوله: (مفرداً أنفع من عمرو)، وهذا المثال إذا تأملناه وجدنا أن فيه مفضلاً ومفضلاً عليه باعتبار حالين، فالمفضل هو زيد، والمفضل عليه هو عمرو، فزيد في حال إفراده، أفضل من عمرو في حال كونه معاناً، هذا هو المعنى.
فإذا وجدنا اسم تفضيل فيه مفضل ومفضل عليه باعتبار حالين جاز أن تتقدم الحال من الأول على اسم التفضيل، وسواءٌ كانت المفاضلة بين شخصين، أو بين شخص واحدٍ في حالين، فإذا قلت: زيدٌ محدِّثاً أجود منه فقيهاً، جاز ذلك.
قوله: (مستجازٌ): أي: قد أجازه العلماء.
و (لن يهن) يعني: ليس فيه ضعف، بل هو كلام فصيح وصحيح.
وقال بعض النحويين: هذا ممنوع وليس مستجازاً، وإن مفرداً في (زيد مفرداً) خبر لكان المحذوفة، وتقدير الكلام عند هذا القائل: زيد إذا كان مفرداً أنفع من عمرو إذا كان معاناً.
وهذا القول: ليس له حظ من النظر لكثرة التقديرات فيه، فقد حذف منه ستة أشياء على هذا الرأي وهي: إذا وكان واسمها، ومثلها من الشطر الثاني (عمرو إذا كان معاناً)، وعلى قول ابن مالك لا نحتاج إلى تقدير.
وغاية ما فيه أنا استبحنا تقديم الحال على عاملها وهو ليس فعلاً متصرفاً ولا شبيهاً به.
القاعدة: يجوز أن تتقدم الحال على عاملها إذا كان اسم تفضيل بين مفضل ومفضل عليه باعتبار حالين، يعني: أن هذه الحال مفضلة على هذه الحال بقطع النظر عن الشخص، وقد يكون الشخص واحداً، وقد يكونان اثنين.