يقول المؤلف رحمه الله: (وكونه منتقلاً مشتقا يغلب)، هذه المسألة تعني: هل يشترط في الحال أن يكون منتقلاً؟ ومعنى (منتقلاً) أنه لا يوصف بها صاحبها دائماً.
وهل يشترط أن يكون الحال منتقلاً، يعني أن الإنسان الذي هو صاحب الحال يكون أحياناً على هذا الوصف وأحياناً يكون على غيره أو ليس ذلك بشرط؟ يقول بعض النحويين إنه شرط، ولا بد أن تكون الحال متنقلة، مثاله: جاء زيد راكباً، هذه حال منتقلة يعني: يمكن أن يأتي ماشياً.
والمؤلف يقول: كون الحال منتقلة هو الغالب فمثلاً: خلق الله زيداً طويلاً، حال غير متنقلة ولكنه جائز، لأن المؤلف يقول (يغلب) وليس بلازم.
ومثّل النحويون: (خلق الله الزرافة يديها أطول من رجليها)، (خلق الله اليربوع رجليه أطول من يديه) فالحال هنا لازمة.
ومعنى المشتق أنه اسم فاعل أو اسم مفعول، أي: مشتق من المصدر، مثل: راكب، مركوب، فاهم، مفهوم، وما أشبه ذلك؛ هذا هو الأكثر، وهو أن يكون مشتقاً، (لكن ليس مستحقاً)، يعني ليس واجباً، وهذا الذي ذكره ابن مالك صحيح، لأنه لا يحتاج إلى تأويل وإلى تكلف.
فإذاً نقول: القاعدة من هذا البيت: الغالب في الحال أن يكون منتقلاً لا لازماً، مشتقاً لا جامداً.
قوله: (ويكثر الجمود في سعر) عكس الحكم السابق في قوله (يغلب)، يعني كأنه قال: يغلب إلا في السعر فالأكثر الجمود، وكذلك (في مبدي تأول)، أي: مظهر تأويل، وهذا في كلام يسهل تأويله، ولهذا قال: (بلا تكلف).
والحاصل أن الجمود يكثر في موضعين: أحدهما: السعر.
والثاني: الجامد الذي في معنى المشتق.
مثاله: (فبعه مداً بكذا).
بع: فعل أمر، والهاء: ضمير مبني على الضم في محل نصب مفعول به.
مداً: حال من الهاء في قوله (بعه)، وكلمة (مد) غير مشتقة.
إذاً هي اسم جامد لكنه لسعر، إذ إن المعنى: بعه مسعراً المد بكذا.
وإذا قلت: بعه رطلاً بكذا، فهو مثله؛ لكن هذا للوزن وذاك للحجم، ومثله أيضاً بعه طناً، بعه ذراعاً، بعه باعاً، وما أشبه ذلك، كلها جامدة لكنها مؤولة بالمشتق لأنها سعر.
قوله: (بعه مداً بكذا يداً بيد)، ومثله: بع الذهب بالفضة يداً بيد، كلمة (يداً بيد) حال رغم أن كلمة (يد) جامدة لكنها مؤولة من المشتق، إذ إن معنى (يداً بيد) مقابضة.
إذاً نقول: هذه ليست سعراً لكنها فيها تأويل قريب.
قوله: (وكر زيد أسداً) كر بمعنى رجع أو انطلق عليهم.
وأسداً: حال من زيد، والأسد اسم نوع من السباع، فهو جامد، لكنه مؤول بمشتق ولهذا قال المؤلف: (أي كأسد) والكاف للتشبيه، أي مشابهاً الأسد، والمعنى: كر زيد مشابهاً الأسد، ولهذا أتى المؤلف بكاف التشبيه لأن التشبيه اشتقت منه (مشابهاً) فصار مشتقاً.
خلاصة القاعدة: الغالب في الحال أن يكون منتقلاً لا لازماً، مشتقاً لا جامداً.
القاعدة الثانية: يكثر الجمود في موضعين: فيما دل على سعر، وفيما كان بمعنى المشتق، فالأول كقولك: بعه مداً بكذا والثاني كقولك: يداً بيد وكر زيد أسداً، أي كأسد.
لو قلت: أتاني بالقلب حجراً، أي: مشابهاً للحجر.