ثم انتقل المؤلف إلى أمر آخر، وهو أن بعض الظروف يكون متصرفاً وبعضها يكون غير متصرف، فما هو الضابط؟ قال: (وما يرى ظرفاً وغير ظرف فذاك ذو تصرف في العرف وغير ذي التصرف الذي لزم ظرفية أو شبهها من الكلم) أفادنا المؤلف رحمه الله في هذه الأبيات: أن الظرف ينقسم إلى قسمين: متصرف وغير متصرف، فما هو المتصرف؟ قال: (وما يرى ظرفاً وغير ظرف فذاك ذو تصرف في العرف).
إذا كانت الكلمة تارة تأتي ظرفاً وتارة تأتي غير ظرف فإن هذا يسمى ظرفاً متصرفاً، مثل كلمة (يوم)، قال تعالى: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [إبراهيم:41].
فهي في الآية ظرف؛ لأنها منصوبة على تقدير (في)، أي: في يوم يقوم الحساب.
وقال الله تعالى: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج:47]، وقال تعالى: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا} [النبأ:17]؟ فيوم في الآيتين ليست ظرفاً.
كذلك كلمة (مكان) تقول: جلستُ مكانك، فهي ظرف، لأنها على تقدير (في)، أي: جلست في مكانك.
وتقول مثلاً: إن هذا المكان مريحٌ.
فليست بظرف.
إذاً: ينقسم الظرف إلى قسمين سواء كان مكانياً أو زمانياً: متصرف وغير متصرف، فما كان يأتي لغير الظرفية فهو متصرف.
قال المؤلف رحمه الله: (وغير ذي التصرف الذي لزم) غير: مبتدأ.
والذي: خبره.
يعني: غير الظرف المتصرف هو الظرف اللازم، وهو الذي لا يأتي إلا ظرفاً أو مختصاً بحال معينة كالجر.
فمثلاً كلمة (عند) ظرف لازم، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} [الأعراف:206]، وقال تعالى: {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم:14].
فهذا ظرف غير متصرف، لأنه لا يأتي إلا منصوباً على الظرفية أو مجروراً بمن، مثل {تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور:61]، وهو معنى قول المؤلف: (أو شبهها) يعني: لزم الظرفية، أو لزم شبه الظرفية وهو الجر بحرف من حروف الجر.
وكلمة (فوق) ظرف لازم؛ لكنه قد يخرج عن الظرفية كما جاء في الحديث: (وفوقُه عرش الرحمن)، الفوق في الحديث بضم القاف، وليس ظرفاً؛ فكأنه يقول: هذا الفوق هو عرش الرحمن.
تحت: ظرف غير متصرف؛ لأنها لا تستعمل إلا منصوبة على الظرفية أو مجرورة بمن: {تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ} [التوبة:100] هذه منصوبة على الظرفية، {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [آل عمران:15]، هذه مجرورة بمن.
ومن اللحن قول بعض الناس: نظرتُ إلى تحت قدمهِ.
فهذا ليس بصحيح، لأن (تحت) لا تجر بإلى في اللغة العربية.
نعم لو قال: نظرت إلى مكانٍ تحت قدمه، لصح.
والخلاصة من هذا البحث أن الظروف تنقسم إلى قسمين: متصرفة وغير متصرفة.
فما كان ملازماً للظرفية أو شبهها فهو غير متصرف، وما كان يكون ظرفاً ومبتدأ ومفعولاً به وفاعلاً ومجروراً بأي حرف فهذا متصرف.