المفعول له

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [المفعول له ينصب مفعولاً له المصدر إن أبان تعليلاً كجد شكراً ودن وهو بما يعمل فيه متحد وقتا وفاعلا وإن شَرْط فُقِد فاجرره بالحرف وليس يمتنع مع الشروط كلزهد ذا قنع وقل أن يصحبها المجرد والعكس في مصحوب أل وأنشدوا لا أقعد الجبن عن الهيجاء ولو توالت زمر الأعداء] ذكرنا أن المفاعيل خمسة: مفعول مطلق، وبه، وله، وفيه، ومعه.

ومُثلت بهذا البيت: ضربتُ ضرباً أبا عمروٍ غداة أتى وسرت والنيل خوفاً من عقابك لي والمفعول له هو أحد المفاعيل الخمسة، ويقال: المفعول له، ويقال: المفعول لأجله، ويقال: المفعول من أجله، يعني: أن عبارات النحويين اختلفت فيه.

فقائل يقول: مفعول له.

وبعضهم يقول: مفعول من أجله.

وبعضهم يقول: مفعول لأجله، والمعنى واحد.

والمفعول من أجله هو المصدر المنصوب المبين لعلة الفعل.

مثاله: قمتُ إجلالاً لك.

(إجلالاً) مصدر فعله أَجَلَّ يُجِلُّ إجلالاً.

وهذا المصدر يبين علة الفعل، فالسبب في فعل القيام هو الإجلال لك.

وعلة الفعل هي سبب الفعل، فمثلاً قوله تعالى: {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا} [الأعراف:56].

خوفاً: مصدر مبين لعلة الفعل، أي: ادعوه للخوف والطمع.

فمقام الخوف: أن تتعوذوا بالله مما تخافون، ومقام الطمع أن تسألوا الله تعالى ما تطمعون به.

وشروط المفعول لأجله: الشرط الأول: أن يكون مصدراً: فغير المصدر لا يمكن أن يكون مفعولاً لأجله أو مفعولاً له.

الشرط الثاني: إن أبان تعليلاً، وخرج به ما لا يبين العلة؛ فإنه لا يسمى مفعولاً له وإن كان مصدراً.

كذلك أيضاً: (وهو بما يعمل فيه متحد) هذا شرط ثالث ورابع، فالذي يعمل فيه هو الفعل.

فيشترط أن يتحدا وقتاً وفاعلاً، يعني: يشترط أن يكون هذا المصدر متحداً مع الفعل في الوقت والفاعل، بمعنى: أن يقع الفعل والمصدر في وقت واحد، ويكون الفاعل من الفعل هو الذي تلبس بهذا المصدر.

مثاله المنطبق عليه الشروط: جُد شكراً.

جد: فعل أمر من الجود، يعني: صر جواداً، أي: كريماً.

شكراً: هذا مصدر، فعله: شكر يشكر شكراً، وهذا المصدر مبين لعلة الفعل.

أي: جُد حال كونه بك شكراً، إذاً: هو مبيِّن لعلة الفعل، والفاعل الذي جاد شكراً واحد، والوقت واحد.

أي أن الشكر مقارن للجود، وفاعل الشكر هو فاعل الجود.

ومعنى (جُد شكراً) جد لأجل الشكر، أي: لأجل أن تشكر الله عز وجل، وليس لأجل أن تُشكر؛ لأنه لو كان المعنى جُد لتشكر، لما صح، إذ إن الشاكر غير الجائد فيكون الفاعل مختلفاً.

ونحن لولا أن ابن مالك قال: (وقتاً وفاعلاً) كنا سنقول: يجوز أن يكون المعنى جُد لتُشكر، لكن ابن مالك نفسه يقول: (وهو بما يعمل فيه متحد وقتاً وفاعلاً).

قوله: (ودن) هي من دان يدين، أو من الدين، يعني جُد وأعط الدين، فالجود مثلاً بالهبة والدين بالقرض، أي: دن بقرض، يعني: أعط الناس ديناً، فكأن ابن مالك أمرنا بالإحسان إما على سبيل الهبة والتبرع، وإما على سبيل القرض، لكن الاحتمال الأول أظهر، أعني أن (دن) من الدِّين وليست من الدَّين، يعني: جُد شكراً ودن شكراً، فكأنه أمرك أن تدين بطاعة الله سبحانه وتعالى شكراً له، وتجود بمالك أيضاً شكراً لله على ما أعطاك، وهذا المعنى أحسن.

وقوله: ينصب: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع.

مفعولاً: حالاً من المصدر الذي هو نائب فاعل، أي: ينصب المصدر حال كونه مفعولاً له.

ومثال ما اختل فيه شرط: أن تقول: أقومُ الآن إجلالاً لك غداً، فاختلف الوقت.

وكذلك إذا قلت: أُكرِمكَ شكراً لي.

أكرمك: الفاعل أنا.

شكراً لي: الشاكر هو المُكرَم، فاختلف الفاعل فلا يجوز.

وهذا الشرط الأخير: (وهو بما يعمل فيه متحد وقتاً وفاعلاً) فيه خلاف بين النحويين، فـ سيبويه وكثير من النحويين إن لم يكن أكثرهم يقول: ليس بشرط.

وسيبويه هو إمام مدرسة البصرة.

ولو اختاره من دون سيبويه لقلنا إن الصواب معه؛ لأنه أسهل، قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} [الروم:24]، يعني: لتخافوا وتطمعوا، فنقول: هو مفعول لأجله، وفاعل (يري) هو الله، والخائف والطامع هو المخلوق، فاختلف الفاعل.

إذاً: نصب المصدر هنا مفعولاً له مع أن الفاعل مختلف.

وهذا واضح ليس فيه أدنى تكلف، لكن يقولون: إن حجة النحوي كنافقاء اليربوع؛ إن حجرته من الباب خرج من النافذة، فالذي يقول لا بد من اتفاق الفاعل يقول في الآية: (خوفاً وطمعاً): إن خوفاً بمعنى: إخافة، وطمعاً بمعنى: إطماع، أي: يريكم ليخيفكم ويطمعكم، وحينئذ يتفق الفاعل.

أو يقول: خوفاً وطمعاً مصدر في موضع الحال من الكاف في قوله: (ليريكم)، أي: يريكم حال كونكم خائفين وطامعين، وحينئذ يبقى الشرط قائماً.

ولكننا نقول: هاتوا دليلاً على اشتراط هذا؟ ولا يوجد دليل على الاشتراط، لو كان هناك دليل على الاشتراط لقلنا: نعم، يمكن تخريج الآية على ما ذكرتم، لكن ما دام لا يوجد دليل وعندنا شاهد ظاهره عدم اشتراطه فإن الأولى عدم الاشتراط، وهذا إن شاء الله هو الصحيح.

إنما الشرط الأساسي هو: أن يكون مصدراً مبيناً لعلة الفعل، ولهذا قلنا: مفعول له، واللام للتعليل، أو مفعول من أجله، أو مفعول لأجله.

إعراب: (وهو بما يعمل فيه متحد وقتاً وفاعلاً): وهو: مبتدأ، ومتحد: خبر المبتدأ، يعني: وهو متحدٌ بما يعمل فيه.

وقتاً: ظرف، يعني في الوقت.

وفاعلاً: منصوب بالخافض، يعني: وفي الفاعل.

وقوله: (وإن شرط فقد).

إن: شرطية.

شرط: فيه ثلاثة إعرابات: الأول: فاعل لفعل محذوف.

الثاني: فاعل مقدم للفعل المذكور.

الثالث: مبتدأ خبره الفعل المذكور.

فالبصريون يقولون: شرطٌ: فاعل لفعل محذوف.

والكوفيون يقولون: فاعل مقدم للفعل الموجود، والتقدير: وإن فُقِد شرط.

وآخرون من النحويين يقولون: شرط: مبتدأ، وفُقد: خبر المبتدأ.

قوله: (فاجرره بالحرف)، وفي نسخة: فاجرره باللام، والمقصود بالحرف حرف التعليل، والدليل على أن المؤلف يريد حرف التعليل قوله: (إن أبان تعليلاً) واللام ومن وفي، تأتي للتعليل، وكذلك (على) تأتي للتعليل.

المهم كل ما ذكر بأنه من حروف التعليل إذا فُقد شرط فإن المصدر يُجر به، فإذا قلت مثلاً: أكرمتك شكراً لي: فقد فقد شرطاً على رأي المؤلف وهو اتحاد الفاعل، فعلى هذا أجره باللام فأقول: أكرمتك للشكر لي.

قوله: (وليس يمتنع مع الشروط).

أي: لا يمتنع أن تجره بالحرف ولو تمت الشروط، فبهذا عرفنا أن المفعول من أجله لا يتعين نصبه؛ لأنه يجوز أن يجر باللام، مثاله: (كلزهد ذا قنع) أصل التركيب: هذا قنع زهداً، ولذلك نعربه فنقول: ذا: مبتدأ.

قنع: فعل ماض، والجملة خبر المبتدأ.

زهداً: مفعولٌ من أجله منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، لكن يجوز أن ندخل عليه اللام ونقول: لزهد ذا قنع.

فالشروط تامة في قوله: (هذا قنع زهداً) فالزاهد هو القانع، ووقت الزهد وقت القنوع، ومع ذلك يجوز أن تجره فتقول: قنع هذا للزهد.

فالمؤلف إذاً يبين لنا أنه إذا اختل الشرط وجب جره بالحرف، وإذا تمت الشروط جاز جره بالحرف وجاز نصبه، وأيهما أكثر النصب أو الجر؟ قال: (وقَل أن يصحبها المجرد والعكس في مصحوب أل) وفي النسخة الثانية: وقل أن يصحبه المجرد، وعليها يتضح المعنى، لأن الضمير يعود على الحرف، أي: أن المجرد من أل قل أن يصحب الحرف، فتقول: قنع هذا زهداً، وقل أن يقال: قنع هذا لزهد.

قوله: (والعكس في مصحوب أل).

أي: يكثر اقتران الحرف مع أل، مثل: قنع هذا للزهد، ويجوز: قنع هذا الزهدَ، لكنه قليل.

والحاصل أنه إذا لم تتم الشروط فلابد من أن يجر بالحرف، سواء كان المصدر مجرداً من أل أم غير مجرد، وإذا تمت الشروط جاز فيه وجهان وهما: النصب، والجر بحرف التعليل، لكن أيهما أكثر؟ النصب أكثر إن كان المصدر مجرداً من أل: (قنع هذا زهداً)، والجر أكثر إن كان المصدر مقترناً بأل، ويقل النصب حينئذ، ومن هذا القليل ما ذكره ابن مالك بقوله: (وأنشدوا لا أقعد الجبن عن الهيجاء ولو توالت زمر الأعداء وكان الأصل أن يقول: لا أقعد من الجبن، فيجره بالحرف، ولكن يصح: لا أقعد الجبنَ عن الهيجاء ولو توالت زمر الأعداء وهذا البيت لا يعتبر من الألفية كما ذكرنا في المقدمة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015