قال المصنف رحمه الله تعالى: [والأصل سبق فاعل معنى كمن من ألبسن من زاركم نسج اليمن] قوله: (الأصل): مبتدأ.
سبق: خبر المبتدأ، وهو مضاف إلى كلمة (فاعل).
معنى: يحتمل أن تكون حالاً أو صفة لفاعل، ويحتمل أن تكون منصوبة بنزع الخافض، أي: فاعل في المعنى.
كمن جار ومجرور.
من ألبس: متعلق بالمحذوف الذي هو متعلِّق (كمن).
وقوله: ألبِسنَ أو ألبسُن: فالميم في قوله: (من زاركم) تدل على أنه خطاب جماعة، فإن كانوا جماعة وجب أن يقال: ألبسُن، وإن كان خطاب واحد ولكن الميم للتعظيم فنقول: ألبسَن، وذلك لأن (ألبسَن) فعل أمر مؤكد بنون التوكيد الخفيفة، وإذا كان الفعل لواحد واتصلت به نون التوكيد وجب بناؤه على الفتح، وإذا كان للجماعة فإنه لا يبنى على الفتح؛ لأن الفعل لا يباشر نون التوكيد، وهذا هو الراجح لوجود الميم.
(من ألبسن من زاركم نسج اليمن).
من: حرف جر، وألبسن إلى آخر البيت: مجرور بمن؛ لأن المقصود المثال، فكأنه قال: من هذا المثال، أما تفصيلها فسيتبين.
إذا اجتمع مفعولان لعامل فأيهما نقدم؟ يقول: الأصل أن نقدم الفاعل في المعنى؛ لأن الأصل أن الفاعل مقدم على المفعول به -وسيذكر الخروج عن الأصل- مثال ذلك: (ألبسُن) وهو فعل أمر من ألبس يلبس، أي: من الرباعي، فهو ينصب مفعولين، فهنا عندنا لابس، وملبوس، وملبس، الملبس هو الفاعل حقيقة، واللابس الذي كسي هو فاعل معنى، ونسج اليمن مفعول به.
فنقول الآن: ألبسُن من زاركم نسج اليمن.
اللابس (من)، و (نسج اليمن) ملبوس، فالفاعل معنى هو (من)، والمفعول به معنى هو (نسج اليمن)، وأما الملبِّس فلا دخل له في الموضوع؛ لأنه هو فاعل الفعل.
مثال آخر: أطعمن من زاركم ثريداً، هذا هو الأصل، ويجوز: أطعمن ثريداً من زاركم، ولا حرج في هذا؛ لأن المعنى مفهوم.
مثال آخر: أعط زيداً عمراً، لا ندري من المعطَى، إذاً لا بد أن نقول: إن الأصل أن زيداً هو الآخذ، وعمراً هو المأخوذ.
وإذا قلت: أعط زيداً غلامه عمراً، نقول: زيد هو الفاعل.
ولو قلت: أعط عمراً غلامه زيداً، فلا يلتبس؛ لأنه واضح أن الآخذ هو السيد وليس هو الغلام.