قال المصنف رحمه الله تعالى: [تعدي الفعل ولزومه.
علامة الفعل المعدى أن تصل ها غير مصدر به نحو عمل] الفعل ينقسم إلى قسمين: الأول: متعد، وهو الذي ينصب المفعول به، وعلامته أنه يصح تحويله إلى اسم المفعول.
الثاني: لازم: وهو ما لا ينصب المفعول به، وعلامته: أنه لا يصح أن يصاغ منه اسم المفعول.
ولهذا حصر المؤلف الترجمة في هذين فقال: تعدي الفعل ولزومه، ثم ذكر العلامة فقال: (علامة الفعل المعدى أن تصل ها غير مصدر به نحو عمل) هذه علامة الفعل المتعدي، بالإضافة إلى العلامة التي ذكرت وهي: أن يصح منه صيغة اسم المفعول.
قوله: (علامة) مبتدأ وهو مضاف إلى الفعل.
المعدى: صفة للفعل.
أن تصل: أن: مصدرية، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر خبر المبتدأ وهو قوله: (علامة)، فيكون تقدير الكلام: علامة الفعل المعدى وصلك به.
ها غير: هاء: مفعول (تصل) منصوب بفتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية، و (ها) مضاف و (غير) مضاف إليه، و (غير) مضاف و (مصدر): مضاف إليه.
(به): جار ومجرور متعلق بتصل.
نحو عمل: نحو: خبر مبتدأ محذوف والتقدير: ذلك نحو عمل.
يقول المؤلف رحمه الله: علامة الفعل المعدى أن يتصل به ضمير المفعول به، فمثلاً: (جاء) فعل لازم ومتعدي، فإذا قلت: جاء زيد بمعنى قدم، فهو لازم، وإذا قرأت قول الله تعالى: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء:90]، فهو متعد، وكذلك قوله تعالى: {ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ} [الشعراء:206].
مثال آخر للمتعدي: (سمع)؛ لأنه يصح أن تصل به هاء الضمير فتقول: سمعه.
وقوله: (ها غير مصدر) يخرج هاء المصدر، فإنها تتصل بالفعل ولو لازماً، مثل: القيام قمته، القعود قعدته، الكلام تكلمته وهلم جرا.
فالهاء الداخلة على المصدر لا تدل على أن الفعل متعد، وذلك لأن الفعل اللازم يصاغ منه المصدر كما يصاغ من الفعل المتعدي.
العلامة الثانية: أنه يصح منه صياغة اسم المفعول بدون حاجة إلى حرف جر، مثل: قتل، اسم المفعول منه: مقتول؛ فهو متعد؛ لأنه يصح منه صوغ اسم المفعول بدون حاجة إلى حرف جر.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [فانصب به مفعوله إن لم ينب عن فاعل نحو تدبرت الكتب] قوله: (فانصب به) أي بالفعل المتعدي.
(مفعوله)، ومفعول هنا مفرد مضاف فيعم المفعول الواحد والمفعولين والثلاثة.
وقوله: (إن لم ينب عن فاعل) أي: إن لم ينب المفعول عن فاعل، فإن ناب عنه فإنه يعطى حكم الفاعل فيكون مرفوعاً.
(نحو: تدبرت الكتب)، (تدبر) فعل متعد، و (الكتب) مفعول به.
أفادنا المؤلف رحمه الله في هذين البيتين تعريف المعدى وحكمه، فالمتعدي: هو ما صح أن تصل به (هاء) غير المصدر، وحكمه: أنه ينصب به مفعوله، إلا أن ينوب المفعول عن الفاعل فإنه يكون مرفوعاً، كما سبق في النائب عن الفاعل.
قوله: (فانصب): الفاء: للتفريع.
انصب: فعل أمر.
به: جار ومجرور متعلق بانصب.
مفعول: مفعول (انصب).
إن لم ينب: إن شرطية، لم: حرف نفي وجزم وقلب، ينب: فعل مضارع مجزوم بلم، والجملة في محل جزم فعل الشرط.
عن فاعل: جار ومجرور متعلق بـ (ينب).
نحو: خبر مبتدأ محذوف والتقدير: ذلك نحو تدبرت الكتب، و (نحو) مضاف و (تدبرت الكتب): مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية.
وجواب الشرط محذوف، وقيل: لا يحتاج إلى جواب لا مقدر ولا مذكور، أما الذين قالوا إنه محذوف فقالوا: التقدير: إن لم ينب عن فاعل فانصب به.
وقوله: (فانصب به مفعوله إن لم ينب) لا يدل على أنه لابد من وجود المفعول، لكن إذا وجد المفعول وجب نصبه بالفعل المتعدي، وإلا فقد يحذف المفعول كقوله تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} [الضحى:6]، فالمفعول محذوف تقديره: فآواك، {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} [الضحى:7] أي: هداك، {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} [الضحى:8] أي: أغناك.
لكن المعنى: أنه ينصب المفعول سواء كان مذكوراً أو محذوفاً.
قوله تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} [الضحى:6] يمكن أن نقول: فآواك وآوى بك، فبدل أن كنت فقيراً تحتاج إلى من تأوي إليه أصبحت أنت مأوى، وهذا صحيح، فمعنى الآية: آواك وآوى بك.
وقد قال أبو طالب في لاميته المشهورة: وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل الشاهد: ثمال اليتامى عصمة للأرامل، أي: أنه يتولى الأيتام ويواسيهم، ويجبر كسرهم.
إذاً: آوى أي: آواك وآوى بك، وهدى أي: هداك وهدى بك.
وأغنى أي: أغناك وأغنى بك.
ولهذا امتن النبي صلى الله عليه وسلم على الأنصار بهذا فقال: (ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي، وكنتم عالة فأغناكم الله بي، ومتفرقين فجمعكم الله بي) قالوا: الله ورسوله أمن، ولكنه صلى الله عليه وسلم اعترف لهم بالفضل وقال: (لو شئتم لقلتم: كنت طريداً فآويناك) الحديث.
فعلى كل حال: إن الله تعالى آوى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وآوى به، وهداه وهدى به، وأغناه وأغنى به.