اشتغال العامل عن المعمول

قال المصنف رحمه الله تعالى: [اشتغال العامل عن المعمول: إن مضمر اسم سابق فعلاً شغل عنه بنصب لفظه أو المحل فالسابق انصبه بفعل أضمرا حتماً موافق لما قد أظهرا] قوله: (اشتغال العامل عن المعمول).

العامل يشمل الفعل واسم الفاعل وكل ما يعمل.

ومعنى اشتغال العامل عن المعمول: أن يكون العامل مشتغلاً بمعمول آخر يعود على ما سبق، وذلك أن الفعل لا يمكن أن يتسلط على شيئين، فلا يوجد فاعلان في فعل واحد، ولا مفعولان في فعل واحد إذا كانا بمعنى واحد.

فمثلاً: زيد ضربته، لا يمكن أن يكون (ضرب) عاملاً في (زيد) وفي الضمير، لكن يمكن أن ينصب مفعولين كل واحد منهما غير الآخر كما مر معنا في باب ظن وأخواتها.

واشتغال العامل عن المعمول يكون إما بضميره، وإما بشيء مضاف إلى ضميره، فإذا قلت: زيد ضربته، فهنا اشتغل بضميره، وإذا قلت: زيداً ضربتُ غلامَه، فهذا مشتغل بمضاف إلى ضميره، وكلام ابن مالك يشمل هذا وهذا.

ولذلك يقول: (إن مضمر اسم سابق فعلاً شغل عنه بنصب لفظه أو المحل) إن: شرطية.

مضمر: على رأي الكوفيين فاعل مقدم على فعله، أو مبتدأ وما بعده خبره، وأما على رأي البصريين فيقولون: مضمر: فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده، وقد عرفنا الأقوال الثلاثة في مثل هذا التركيب، وأن من العلماء من قال: إنه لا بد أن نقدر فعلاً، ومنهم من قال: إن أدوات الشرط تدخل على الأسماء، ومنهم من قال: إنه يجوز تقديم الفاعل.

(فعلاً شغل): فعلاً: مفعول لشغل.

وشغل: مفسر للفعل المحذوف، والتقدير: إن شغل مضمر اسم سابق فعلاً عنه بنصب لفظه أو المحل.

(عنه) أي: عن هذا السابق، يعني شغله عنه بنصب لفظه أو المحل، أي: سواء كان ذلك شاغلاً عن نصب اللفظ أو المحل: ونصب اللفظ واضح، مثل: ضربت زيداً، تقول: زيداً ضربته، فلا يمكن أن يكون (زيداً) مفعول به والهاء مفعول به؛ بل الفعل انشغل.

(أو المحل) مثل أن يكون هذا المشتغل عنه يبنى ولا ينصب، فيكون الاشتغال عن نصب محله.

كذلك اسم الإشارة مبني.

كأن تقول: هذا ضربته، فهنا اشتغل الضمير عن نصب المحل، ولهذا نقول: ذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل نصب.

قال رحمه الله: (فالسابق انصبه بفعل أضمرا حتماً موافقٍ لما قد أظهر) فالسابق انصبه: السابق مفعول لفعل محذوف يفسره ما بعده، ولا نقول إنه مفعول بما بعده، لأن ما بعده مشغول عنه بضميره.

انصبه: انصب: فعل أمر، والهاء مفعول به.

بفعل: جار ومجرور متعلق بانصب.

أُضمر: فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله، والجملة صفة لفعل.

حتماً: متعلق بأضمرا، أي: إضماراً حتماً، أي: واجباً، فهو مصدر في موضع الحال، أي: محتوماً.

موافق: صفة لفعل.

لما قد أظهرا: أي: للفعل الظاهر، ففي قولك: زيداً ضربته، نقول: زيداً: مفعول لفعل محذوف تقديره (ضربت).

ولا يصح أن تقول: مفعول لفعل محذوف تقديره: (أهنت)؛ لأنه لابد أن يكون موافقاً لما قد أظهر، فإذا كان الفعل الموجود (ضرب) فلابد أن يكون الفعل المقدر مثله (ضرب).

ومثله: طعامك أكلته، طعامك: مفعول به لفعل محذوف والتقدير: أكلت طعامك، ولا يصح أن تقول في التقدير: أتلفت طعامك؛ لأنه لا بد أن يكون الفعل المضمر موافقاً لما قد أظهر.

وقوله: (أضمرا) من باب التجوز، والصواب أن يقال: حذف، ولو قال: فالسابق انصبه بفعل حذفا حتماً موافق لما قد عرفا لاستقام الكلام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015