قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقد يبيح الفصل ترك التاء في نحو أتى القاضي بنتُ الواقف] (قد): للتقليل، و (يبيح) بمعنى: يجيز.
يعني: أن الفصل بين الفعل والفاعل قد يجيز ترك التاء، مثال ذلك: أتت بنتُ الواقفِ القاضي، في هذا المثال يجب تأنيث الفعل؛ لأن الفاعل مؤنث حقيقي متصل، فإذا فصل قلت: أتى القاضي بنت الواقف.
يقول ابن مالك رحمه الله: (وقد يبيح الفصل ترك التاء) والأفضل ألا تحذف، مثال الفصل: أتى القاضي بنتُ الواقف، فالقاضي فصل بين الفعل والفاعل، فيجوز أن تقول: أتت القاضيَ بنتُ الواقف، وهو الأرجح، ويجوز أن تقول: أتى القاضيَ بنتُ الواقف.
مثال آخر: ضربت هند غلامها، هنا يتعين وجه التأنيث؛ لأن الفاعل مؤنث حقيقي متصل، فإذا فصلت وقلت: ضربت غلامها هند، فلا يجب التأنيث، ويجوز أن تقول: ضربَ غلامها هند، وهو مرجوح، أو: ضربت غلامها هند، وهو الأرجح؛ وقد قلنا: إنه الأرجح كما يفيده كلام ابن مالك رحمه الله بقوله: (وقد يبيح الفصل).
ومثله: خرجت من البيت هند، لك أن تقول: خرج من البيت هند.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [والحذف مع فصل بإلا فضلا كما زكا إلا فتاة ابن العلا] لما ذكر رحمه الله أنه إذا فصل بين الفعل وفاعله المؤنث الحقيقي بفاصل جاز ترك التأنيث ولكن التأنيث أفضل، استثنى حالة واحدة وهي: ما إذا كان الفصل بإلا، فالأفضل ترك التأنيث.
مثاله: ما زكا إلا فتاة ابن العلا، (فتاة) مؤنث حقيقي وهو فاعل، والفعل (زكا)، وقد فصل بينهما بإلا، فلو مشينا على البيت الأول لقلنا: التأنيث أولى من التذكير، لأنه يقول: (قد يبيح الفصل)، وهذا فصل، لكنه استثنى، فقال: إذا كان الفصل بإلا فالحذف أولى، ولهذا قال: (والحذف مع فصل بإلا فضلا)، وظاهر كلامه رحمه الله: أنه يجوز أن يؤنث فتقول: ما زكت إلا فتاة ابن العلا.
مثال آخر: ما قام إلا هند، أولى من: ما قامت إلا هند، فالأول أصح وأفصح.
وذهب ابن هشام رحمه الله إلى وجوب التذكير إذا كان الفصل بإلا، فتقول: ما قام إلا هند، ولا يجوز: ما قامت إلا هند؛ لأن الكلام على تقدير: ما قام أحد إلا هند، وإذا كان الكلام على هذا التقدير فالواجب التذكير.
فإذا جاءنا طالب علم وقال: ما قامت إلا هند، فقلنا: هذا خطأ، فقال: أنا على مذهب ابن مالك، وهذا جائز لا بأس به، فلا نستطيع أن نغلطه ما دام هذا رأي ابن مالك، وهو من أئمة النحو المشهورين.
قوله: (وقد يبيح الفصل ترك التاء): قد: للتقليل؛ لأنها دخلت على فعل مضارع، ويقولون: إن (قد) إذا دخلت على ماض فهي للتحقيق، وإذا دخلت على مضارع فهي للتقليل، وهذا في الأغلب، وإلا فقد تدخل على المضارع وهي للتحقيق، مثل قوله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ} [الأحزاب:18].
الفصل: فاعل يبيح.
ترك التاء: مفعوله.
(في نحو أتى القاضي) نحو: مضاف، و (أتى القاضي بنت الواقف): مضاف إليه، وهو على تقدير: نحو هذا المثال، فالجملة كلها في موضع جر.
وأما إعرابها تفصيلاً: فنقول: أتى: فعل ماض.
القاضي: مفعول مقدم.
بنت: فاعل مؤخر، وهي مضاف إلى الواقف.
وقوله: (والحذف مع فصل بإلا فضلا): الحذف: مبتدأ.
مع: ظرف مكان.
فصل: مضاف إليه.
بإلا: جار ومجرور متعلق بفصل.
فضلا: الجملة خبر المبتدأ.
قوله: (كما زكا إلا فتاة ابن العلا).
الكاف: حرف جر.
ما زكا إلخ: اسم مجرور بالكاف وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية، وإنما دخلت الكاف على الجملة لأنها بمعنى المفرد؛ إذ إن التقدير: كهذا المثال.
أما إعرابها تفصيلاً فنقول: ما: نافية.
زكا: فعل ماض.
إلا: أداة حصر.
فتاة: فاعل زكا، وهو مضاف.
وابن: مضاف إليه، وهو مضاف.
العلا: مضاف إليه.