قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وألحقت بإنَّ لكنّ وأنّ من دون ليتَ ولعلّ وكأنّ] قوله: (وألحقت) ألحق: فعل ماضٍ منبي لما لم يسم فاعله، والذي ألحق (لكنَّ وأنّ) هم العرب، فإن العرب هم الذين يعتمد عليهم.
بإن: جار ومجرور متعلق بألحقت.
لكنَّ: نائب فاعل، وهو حرف، ولكنه صار نائباً للفاعل لأن المقصود لفظه.
وأنّ: معطوفة على (لكنَّ).
(من دون ليت ولعل وكأن) أي: سوى (ليت ولعل وكأن)، فقوله (من دوه) بمعنى الاستثناء، فليت ولعل وكأن لا تلحق بإن في جواز الرفع، بل يجب النصب.
مثال (أن): علمت أن زيداً قائمٌ وعمراً، ولك أن تقول: علمت أن زيداً قائمٌ وعمرٌو برفع (عمرو).
مثال (لكن): لكن عمراً قائم وبكراً، ولك أن تقول: لكن عمراً قائمٌ وبكرٌ برفع (بكر).
إذاً: يجوز في المعطوف على اسم إنّ وأنّ ولكنَّ وخبرها الوجهان: الرفع والنصب، فصارت هذه الأدوات الست تنقسم إلى قسمين في جواز رفع المعطوف على اسمها بعد استكمال الخبر: ثلاث منها يجوز فيها الرفع والنصب، وهي: إنَّ وأنَّ ولكنَّ.
وثلاث منها لا يجوز، وهي: ليت ولعل وكأنَّ.
ووجه عدم جواز رفع المعطوف على اسم هذه الثلاث وخبرها: أنه يختلف المعنى اختلافاً عظيماً، فمثلاً: ليت زيداً قائمٌ وعمرٌو، فعندما رفعنا (عمرو) جعلناه مبتدأ، وحينئذ لم يبق فيه معنى التمني، أي: تمني أنه قائم؛ لأنك إذا جعلته مبتدأ قطعته عما سبق، فلا يدخله التمني.
كذلك نقول في لعل: لعل زيداً قائمٌ وعمرٌو، بالرفع: إنه لا يصح؛ لأنك لو فعلت هكذا لم يتبين لنا أنه داخل في الرجاء الذي تعلق بزيد.
وكذلك: كأن زيداً أسدٌ وعمرٌو، لا يستقيم؛ لأننا لا ندري هل المراد: كأن زيداً أسد وعمرو قطٌّ، أم وعمرو أسد.
إذاً: يجب أن نقول: ليت زيداً قائمٌ وعمراً، وكأن زيداً أسدٌ وعمراً، ولعل زيداً ناجح وعمراً، بنصب (عمرو) لا برفعها.
أما قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا} [المائدة:69]، فقالوا: إنه يتعين أن يكون الخبر محذوفاً بعد قوله: ((وَالصَّابِئُونَ))، والتقدير: والصابئون كذلك، أو والصابئون من آمن منهم بالله واليوم الآخر، ويكون (كذلك) مقدراً بعد قوله: ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى)).
ويمكن أن يحمل على ظاهره ونقول: إن الرفع هنا بناء على العطف على محل إنَّ واسمها، وجملة ((مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)) -وهي جملة شرطية- خبر إنَّ.
قال محمد محيي الدين عبد الحميد في تعلقيه على شرح ابن عقيل: (وقد ورد في القرآن الكريم آيتان ظاهرهما كظاهر هذين البيتين: الأولى: قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ} [المائدة:69]، والثانية: قراءة بعضهم: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ} [الأحزاب:56] برفع (ملائكته).
وقد اختلف النجاة في تخريج ذلك: فذهب الكسائي إلى أن الاسم المرفوع معطوف على اسم إنَّ باعتباره مبتدأً قبل دخول إنَّ.
وذهب الجمهور من البصريين إلى أن هذا الاسم المرفوع مبتدأ خبره محذوف، أو خبره المذكور فيما بعد، وخبر إنَّ هو المحذوف، وجملة المبتدأ وخبره معطوفة على جملة إنَّ واسمها وخبرها.
وذهب المحقق الرضي إلى أن جملة المبتدأ والخبر حينئذ لا محل لها معترضة بين اسم إنَّ وخبرها، وهو حسن؛ لما يلزم على جعلها معطوفة على جملة إنَّ واسمها وخبرها من تقديم المعطوف على بعض المعطوف عليه؛ لأن خبر إنَّ متأخر في اللفظ أو في التقدير على جملة المبتدأ والخبر، وخبر إنَّ جزء من الجملة المعطوف عليها.
وكل هذا للدلالة على القواعد، نحن نقول: (الصابئون) معطوفة على محل اسم إنَّ، أو على محل إنَّ واسمها؛ لأن أصلهما الرفع، أما أن نقول: (وَالصَّابِئُونَ) خبرها: (مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)، وخبر (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى) محذوف، فهذا يعني أننا حذفنا شيئاً قبل أن نعرف تقديره، وإذا جلعنا (من آمن بالله واليوم الآخر) خبراً لقوله: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى) وخبر (وَالصَّابِئُونَ) محذوف، فإن الكلام يكون ركيكاً؛ لأن تقدير الكلام سيكون حينئذ: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) من آمن بالله واليوم الآخر)، وهذا كلام ركيك ينزه عنه القرآن، لكن إذا قلنا: (وَالصَّابِئُونَ) معطوفة على محل اسم إنَّ، زال الإشكال، وهذا ما فعله الكسائي إمام أهل الكوفة.
وقد قلنا: إن طريقنا فيما يختلف فيه النحويون أن نتبع الأسهل.