ثم قال: [ولا يلي ذي اللام ما قد نفيا ولا من الأفعال ما كرضيا] ذي: اسم إشارة مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم.
ما: فاعل مؤخر، وهو اسم موصول.
قد نفي: الجملة صلة الموصول.
ومعنى ذلك: أن لام الابتداء التي تقع في خبر إن لا يليها ما نفي؛ لأن اللام للتوكيد، والنفي بخلاف ذلك، فلا يمكن أن يجمع بين الشيء ونقيضه أو ضده، فلا يصلح أن تقول: إن زيداً لما قام؛ لأنك حينئذٍ جمعت بين الإثبات والنفي، فلا يصح.
وقال بعض النحويين: إنه يصح، ويكون هذا توكيداً للنفي لا توكيداً للإثبات.
وقال بعضهم: إن الممنوع حرف النفي لا الاسم الدال على النفي، فيجوز: إن زيداً لغير فاهم، ولا يجوز: إن زيداً لما فهم؛ لأن (ما) مع اللام ظاهرة المنافاة، بخلاف (غير) وشبهها.
لكن المشهور ما مشى عليه ابن مالك رحمه الله: أن كل ما دل على النفي فإنه لا يمكن أن يجتمع مع لام التوكيد.
قوله: (ولا من الأفعال ما كرضيا)، أي: ولا يليها من الأفعال الذي مثل رضي.
وقوله: (ما كرضي) يجوز أن نجعل الكاف هنا اسماً، ونقول: ما مثل رضي، وتكون في محل رفع والمبتدأ محذوف، والجملة صلة الموصول، أي: ما هو مثل رضي، ويجوز أن نجعلها حرف جر، ويكون المراد بقوله: (رضي) اللفظ، فتكون داخلة على الفعل باعتبار لفظه، ويكون الجار والمجرور خبراً لمبتدأ محذوف، أي: ما هو كرضي.
وإذا نظرنا إلى (رضي) نجد أنه فعل، وأنه ماض، وأنه متصرف، وعليه نأخذ من هذا قاعدة: أن اللام لا تدخل على خبر إن إذا كان فعلاً ماضياً متصرفاً.
فخرج بقولنا: (إذا كان فعلاً)، ما إذا كان اسماً وقد سبق.
وخرج بقولنا: (ماضياً) ما إذا كان فعلاً مضارعاً، مثل: إن زيداً ليقوم، فهذا جائز.
وخرج بقولنا: (متصرفاً) ما إذا كان غير متصرف، مثل: إن زيداً لعسى أن يفهم؛ لأن (عسى) هذه جامدة، فيجوز أن تقترن بها اللام.
ثم قال: [وقد يليها مع قد كإن ذا لقد سما على العدا مستحوذا] قوله: (وقد يليها مع قد)، قد: للتقليل، والقاعدة: أن قد إذا دخلت على الماضي فهي للتحقيق، وإذا دخلت على المضارع فهي للتقليل، وقد يراد بها التحقيق، مثل قوله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} [النور:64]، ومثل قوله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ} [الأحزاب:18].
ومعنى ذلك: أنه قد يلي هذه اللام الفعل الماضي المتصرف مع قد، وعلى هذا ففي قوله: (يليها) ضمير مستتر يعود على قوله: (ما كرضي).
قوله: (كإن ذا لقد سما على العدا مستحوذا).
كإن ذا: الكاف حرف جر.
و (إن ذا لقد سما على العدا مستحوذا): مجرور بالكاف باعتبار اللفظ.
أما إعراب هذا المثال فنقول: إن: حرف توكيد ينصب المبتدأ ويرفع الخبر.
وذا: اسمها مبني على السكون في محل نصب؛ لأنه اسم إشارة.
لقد: اللام للتوكيد، وقد: للتحقيق.
سما: فعل ماض، وهو فعل ماض متصرف، لكن جاز دخول اللام عليه لأنه فصل بينه وبينها بقد، وفاعل سما مستتر جوازاً تقديره هو.
على العدا: جار ومجرور متعلق بسما.
مستحوذاً: حال من فاعل سما، والاستحواذ بمعنى السيطرة.
والحاصل: أن ابن مالك رحمه الله يقول: إنه يمتنع دخول لام التوكيد على خبر إن إذا كان منفياً، هذا الأول.
والثاني: إذا كان فعلاً ماضياً متصرفاً لم يقترن بقد؛ لأنه قال: إنه قد يليها مع قد.