روابط جملة الخبر بالمبتدأ

يقول ابن مالك: (حاوية معنى الذي سيقت له).

يعني: لابد أن تكون الجملة الواقعة خبراً حاوية معنى المبتدأ، ومعنى (حاوية معناه): أن نعلم أن لها اتصالاً به؛ ولذلك لابد من وجود رابط بين هذه الجملة والمبتدأ.

فلو قلت: الرجل قام زيد، لا يصح أن تكون خبراً؛ لأنه ليس هناك رابط.

وإذا قلت: الرجل قام أبوه، صح لوجود الرابط وهو الضمير، إذاً لابد من رابط يربط الجملة بالمبتدأ حتى نعرف أن هذه الجملة حاوية له، وأنها وصف له؛ لأن الخبر كما نعلم وصف للمبتدأ، فإذا لم تكن مشتملة على شيء يربطها به؛ فإنها لا تكون وصفاً له.

وفي قوله تعالى: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف:26].

(لباس) مبتدأ و (التقوى) مضاف إليه، و (ذا) مبتدأ ثان و (خير) خبر المبتدأ الثاني، والرابط اسم الإشارة (ذا)؛ لأن قوله: ((ذَلِكَ)) أي: لباس التقوى.

وقوله تعالى: {الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ} [الحاقة:1 - 2].

(الحاقة) مبتدأ وخبره جملة: (ما الحاقة)، والرابط إعادة المبتدأ بلفظه؛ لأن إعادة المبتدأ بلفظه أقوى ربطاً من إعادة المبتدأ بضمير.

فالحاقة الثانية هي الحاقة الأولى.

وقوله تعالى: {الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ} [القارعة:1 - 2]، (القارعة) مبتدأ، وجملة ((مَا الْقَارِعَةُ)) خبره، والرابط إعادة المبتدأ بلفظه.

فإذا قيل: كيف كانت إعادة المبتدأ بلفظه ربطاً؟ قلنا: لأن ارتباط الجملة بإعادة لفظ المبتدأ بالمبتدأ أقوى من ارتباطها بإعادة الضمير؛ لأن الضمير يدل على المرجع وليس هو المرجع.

وإذا قلنا: طالب العلم نعم الرجل، فالجملة الثانية: نعم الرجل لها ارتباط بالمبتدأ لأن هذا اللفظ عام يدخل فيه بالأولوية المبتدأ، الذي هو طالب العلم.

والربط هو: أنه لا يشك أي مخاطب أن المراد بقولك: نعم الرجل، هو طالب العلم.

فإن قال قائل: أفلا يمكن أن ندعي أن الربط هنا إعادة المبتدأ بلفظه؟ ف

صلى الله عليه وسلم لا؛ لأن الرجل غير طالب، لكنه إعادة المبتدأ بمعناه لعموم الأفراد في قولك نعم الرجل.

فصارت الروابط الآن أربعة: الضمير، والإشارة، وإعادة المبتدأ بلفظه، وبالعموم.

قال رحمه الله تعالى: [ومفرداً يأتي ويأتي جملة حاوية معنى الذي سيقت له وإن تكن إياه معنى اكتفى بها كنطقي الله حسبي وكفى والمفرد الجامد فارغ وإن يشتق فهو ذو ضمير مستكن وأبرزنه مطلقاً حيث تلا ما ليس معناه له محصلاً وأخبروا بظرف أو بحرف جر ناوين معنى كائن أو استقر ولا يكون اسم زمان خبراً عن جثة وإن يفد فأخبرا].

قوله: (وإن تكن إياه معنى اكتفى بها كنطقي الله حسبي وكفى).

قوله: (وإن تكن): الضمير يعود على الجملة التي أخبر بها عن المبتدأ.

إياه: أي المبتدأ.

معنى: أي في المعنى.

اكتفى بها: أي بدون رابط.

ومعنى ذلك: أنه إذا كانت الجملة هي معنى المبتدأ؛ فإنه يكتفى بها عن الرابط، مثاله: كنطقي الله حسبي.

فنطق: مبتدأ مرفوع بالابتداء وعلامة رفعه ضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، و (نطق) مضاف، و (الياء) مضاف إليه مبني على السكون في محل جر.

الله: مبتدأ ثان مرفوع بالابتداء، وعلامة رفعة ضمة ظاهرة في آخره.

حسبي: خبر المبتدأ الثاني مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، و (حسب) مضاف والياء مضاف إليه مبني على السكون في محل جر، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول.

فلا حاجة للرابط هنا؛ لأن هذه الجملة هي معنى المبتدأ.

فإذا قيل: هل هناك ضابط يقربها؟ قلنا: الضابط لذلك هو: أن تحل محل اسم الإشارة، فإذا حلت محل اسم الإشارة صارت هي معنى المبتدأ، فمثلاً: نطقي الله حسبي، لو حذفنا (الله حسبي) تكون: نطقي هذا، يعني: هذا القول.

على أن من المعربين من قال: إن الإخبار هنا ليس من باب الإخبار بالجملة بل هو من باب الإخبار بالمفرد؛ لأن هذه الجملة أريد لفظها، وهذا القول أسهل.

وبناء على هذا القول نقول في قوله: نطقي الله حسبي، (نطق) مبتدأ، و (الله حسبي) كلها: خبر المبتدأ مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية.

وهذا هو الحقيقة والواقع؛ لأن قولك: نطقي الله حسبي، يعني: أن (نطق) مبتدأ، و (الله حسبي) الخبر، فهي جملة واحدة في الحقيقة، ونظير ذلك ما سبق لنا عند أول الألفية وهو: (قال محمد ابن مالك أحمد ربي الله خير مالك).

وقلنا: إن قوله: (أحمد ربي إلى آخر حرف في الألفية) في محل نصب مقول القول.

وفي الحديث الصحيح: (خير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله)، فخير: مبتدأ وهو مضاف إلى ما الموصولة، يعني: خير الذي قلت، ولا إله إلا الله، هي الخبر، وإعرابها بالتفصيل: (لا) نافية للجنس، و (إله) اسمها، وخبرها محذوف، والاسم الكريم بدل منه.

أو نقول: لا إله إلا الله خبر (خير) مرفوع بضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية.

والأول هو رأي ابن مالك وأكثر النحويين.

أما قوله: (وكفى) فليس له دخل في الجملة، ويعني: هو كاف، {مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:3].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015