قوله: (أحمد ربي الله خير مالك): أحمد: فعل مضارع يدل على التجدد؛ لأن الحمد فعل يحدثه الإنسان بلسانه.
والحمد: هو وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم.
فقولنا: (وصف المحمود بالكمال) خرج به الذم الذي هو مقابل المدح.
وقولنا: (مع المحبة والتعظيم) خرج به المدح؛ لأن المدح قد يقترن به حب التعظيم وقد لا يقترن به، فمن مدح ملكاً من الملوك لينال منه جائزة فإن هذا لا يكون حمداً إلا إذا كان في قلب المادح حب وتعظيم لهذا الملك، أما إذا كان يحب أن يقضم الملك بنواجذه لكن اضطر إلى مدحه ليأخذ من جائزته فهذا لا يسمى حمداً، وإنما يسمى مدحاً.
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه بدائع الفوائد -الذي هو اسم على مسمى (بدائع)، فهو يبحث في ما يعن له في خاطره من غير ترتيب، لكنه يبحث أحياناً بحوثاً لا تكاد تجدها في غيره- بحث عن الفرق بين الحمد والمدح بحثاً عظيماً، وقال: كان شيخنا إذا تكلم في هذا الباب أتى بالعجب العجاب.
وشيخه هو ابن تيمية، ولكنه كما قيل: تألق البرق نجدياً فقلت له إليك عني فإني عنك مشغول أي أنه رحمه الله مشغول عن مباحث النحو وما يتعلق به بأمور أهم؛ بمجادلة الفلاسفة والمتكلمين والمنطقيين وغيرهم.
وقد جرى بينه وبين أبي حيان الإمام المشهور في النحو في مصر مناظرة في مسائل نحوية، وكان أبو حيان يعظمه ويجله وقال فيه قصيدة عصماء منها: قام ابن تيمية في نصر شرعتنا مقام سيد تيم إذ عصت مضر وسيد تيم هو أبو بكر رضي الله عنه، وعصيان مضر كان في الردة.
ولما قدم شيخ الإسلام إلى مصر وجرت بينه وبين أبي حيان مناظرة في النحو، واحتج أبو حيان على شيخ الإسلام بما في كتاب سيبويه، وقال: إن ما ذكرته مخالف لما في الكتاب.
فقال: أي كتاب؟ قال: كتاب سيبويه.
قال: وهل سيبويه نبي النحو حتى يجب علينا اتباعه، لقد غلط سيبويه في كتابه في أكثر من ثمانين موضعاً لا تعرفها لا أنت ولا سيبويه! فحمي الرجل وغضب وهجاه بقصيدة؛ لأنه تكلم عليه هذا الكلام.
فالمهم على كل حال أن الحمد هو: وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم.
(أحمد ربي الله): لم يقل أحمد الله ربي، بل بدأ بالربوبية؛ لأن المقام مقام استعانة، والربوبية تتعلق بالاستعانة أكثر من الألوهية، فالألوهية للعبادة، والاستعانة بالربوبية أكثر، ولهذا قال: (أحمد ربي).
وقوله: (الله) هذا عطف بيان يبين من ربه، وهو الله.
والرب في الأصل: المتصرف في الشيء، ولهذا يقال لمالك الدابة: رب الدابة، ولمالك الدار: رب الدار.
لكن الرب الذي هو الله عز وجل نقول في تفسيره: هو الخالق المالك المدبر، والملك المطلق لا يكون إلا لله، والخلق المطلق لا يكون إلا لله، والتدبير المطلق لا يكون إلا لله، فما أضيف إلى المخلوق من خلق فليس خلقاً حقيقة وإنما هو تغيير، ففي الحديث: (يقال للمصورين أحيوا ما خلقتم) وهم لم يخلقوا شيئاً، وإنما حولوا الشيء إلى شيء آخر، وأما الإيجاد فلا يكون إلا لله.
كذلك الملك الحقيقي لله، والملك المضاف للمخلوق ليس ملكاً مطلقاً، بل هو ملك قاصر في شموله، وقاصر في تصريفه.
قاصر في شموله؛ لأن المالك من الخلق لا يملك إلا ما تحت يده، وما عند غيره فليس له، وكذلك قاصر في تصريفه، إذ إن المالك لا يملك التصرف على ما يريد في كل شيء، بل على حسب ما شرعه الله عز وجل.
والله هو المألوه، أي: المعبود حباً وتعظيماً.
وقوله: (خير مالك) هذه من متعلقات الربوبية، يعني أنه سبحانه وتعالى خير من ملك، حتى فيما يصيب العبد من المصائب والنكبات فهي خير، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن)!