قال المؤلف رحمه الله: [وليتني فشا وليتي ندرا].
انتقل المؤلف إلى نون الوقاية في الحروف، أي: هل تقترن نون الوقاية في الحروف إذا اتصلت بياء المتكلم؟
صلى الله عليه وسلم من الحروف ما يقترن بنون الوقاية ومنها ما لا يقترن، فمثل: إلى، تقول: إلي، ولا تقول: إليني، على؛ تقول: عليَّ، ولا تقول: عليني.
وبعض الحروف تدخلها نون الوقاية، ولهذا قال المؤلف: (وليتني فشا)، فـ (ليت) هنا حرف دخلت عليها نون الوقاية بكثرة، قال الله تعالى في القرآن: {يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا} [النساء:73].
وقوله: (وليتي ندرا) يعني أنه يندر حذف نون الوقاية من ليت، ومعنى يندر: يَقِلّ، فتقول: ليتي قائم، بدل: ليتني قائم، وهل يُغلَّط من جاء بذلك وقال: ليتي قائم؟ الجواب: لا يغلط، لكن يقال: الأكثر ليتني وهو الأفصح أيضاً.
قال: (ومع لعل اعكس)، يعني ونون الوقاية مع لعل على العكس من ليت، فيكون الفاشي فيها حذف النون، والقليل إثبات النون.
قال الله تبارك وتعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:99 - 100]، وقال عن فرعون: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} [غافر:36 - 37]، ولم يقل: لعلني، ومع ذلك لو قال قائل: لعلني قائم أو لعلني فاهم لم ينكر عليه، لأنه جائز لغة لكنه قليل.
(وكن مخيراً في الباقيات): كن مخيراً بين النون وعدمها في الباقيات من إن وأخواتها؛ فيجوز فيها على السواء إثبات النون وحذفها، فتقول: إني وإنني، قال الله تعالى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ} [طه:14]، فأثبت النون.
وقال عن نوح إنه قال لقومه: {إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [هود:25]، وكذلك تقول: لكنني ولكني على السواء، وليس من ذلك قوله تعالى: {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} [الكهف:38] لأن أصلها: لكن أنا هو الله ربي، ولهذا كتبت بالألف.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واضطراراً خففا مني وعني بعض من قد سلفا] اضطراراً: مفعول لأجله.
مني وعني: مفعول خفف باعتبار اللفظ، وإلا فالأصل أن العامل لا يتسلط على الحرف.
والمعنى: خفف هذا اللفظ (مني وعني) بعض من قد مضى من العرب في حال الضرورة وهي الشعر، لأنه يضطر الإنسان إلى شيء لا يريده، ومن ذلك قول الشاعر: أيها السائل عنهم وعني لست من قيس ولا قيس مني لو قال: أيها السائل عنهم وعنيَّ، لست من قيس ولا قيس منيَّ، لاختل البيت.
قال رحمه الله تعالى: [وفي لدنيََ لدني قلَّ] لدنيِّ أصله لدي، ويقال فيه: لدن، قال الله تعالى: {مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} [النمل:6]، فإذا اتصلت بها ياء المتكلم يقال: لدنيِّ بإثبات نون الوقاية ويقال: لدُنيِ، لكن هذا قليل، إلا أنه وارد عن العرب.
قال: [وفي قدني وقطني الحذف أيضاً قد يفي].
قدني: أي حسبي.
وقطني: أي حسبي.
الحذف أيضاً قد يفي: أي قد يكون جائزاً.