ثم بين المؤلف أن الضمير ينقسم إلى أقسام من عدة أوجه: أولاً: من حيث الاتصال والانفصال، فينقسم الضمير إلى قسمين: متصل ومنفصل.
فالمتصل ما لا ينطق به منفصلاً مثل التاء من (ضربته) فلا يمكن أن تنطق بالتاء وحدها فتقول: تُ، ولا الكاف من (أكرمك).
فكل ما لا ينطق به منفرداً من الضمائر فهو ضمير متصل، وما صح أن ينطق به منفرداً فهو منفصل هذا هو الضابط.
وقد ضبطه المؤلف بما يقرب من هذا المعنى فقال: [وذو اتصال منه ما لا يبتدا].
هذا هو معنى قولنا: ما لا يصح أن ينطق به منفرداً فهو متصل.
ذو: مبتدأ.
اتصال: مضاف إليه.
منه: جار ومجرور.
ما: اسم موصول خبر المبتدأ، يعني أن الضمير المتصل هو الذي لا يصح الابتداء به، وسيمثل لذلك أيضاً.
قال: [ولا يلي إلا اختياراً أبداً].
يعني: ولا يأتي بعد (إلا) في حال الاختبار.
والمراد بحال الاختيار: الكلام المنثور، وعكسه الاضطرار وهو الشعر، فإن المتصل قد يلي إلا في حال الضرورة الشعرية.
إذا عرفنا ضابط المتصل بأنه ما لا يبتدأ به ولا يلي إلا في الاختيار، عرفنا أن المنفصل هو ما يصح الابتداء به، وما يلي إلا في الاختيار، لأن الأشياء تتبين بضدها.
قال: [كالياء والكاف من ابني أكرمك والياء والها من سليه ما ملك] الياء من ابني: ضمير متصل؛ لأنه لا يصلح الابتداء به، ولا يلي إلا في الاختيار.
والياء التي في ابني هي ياء المتكلم، إذاً: ياء المتكلم حيثما جاءت -منصوبة أو مجرورة- فإنها من الضمائر المتصلة.
والكاف من أكرمك: هي كاف المخاطب، وهي في هذا المثال منصوبة.
فكاف المخاطب حيثما جاءت فهي من الضمائر المتصلة، سواء جاءت منصوبة كما في المثال الذي ذكره المؤلف، أو جاءت مجرورة كما في قولك: مر بك غلامك، فإن الكاف هنا في محل جر، الأول بالحرف والثاني بالإضافة.
والكاف هنا لا فرق بين أن تكون للواحد كأكرمك، أو للاثنين كأكرمكما، أو لجماعة الذكور كأكرمكم، أو لجماعة الإناث كأكرمكن، فالكاف حيثما جاءت فهي ضمير متصل، والضمير فيها هو الكاف فقط، وما بعدها فهو علامة تثنية أو جمع ذكور أو جمع إناث.
قوله: (والياء والها) يعني: وكالياء والهاء (من سليه ما ملك).
الياء والهاء هنا ضميران لكن الياء في سليه غير الياء في ابني، فهي ابني ضمير متكلم، وفي سلي ضمير مخاطبة، فالياء الذي هو ضمير مخاطبة من الضمائر المتصلة، وهو في محل رفع، لأن ياء المخاطبة لا يمكن أن تأتي إلا مرفوعة.
والهاء في سليه في محل نصب مفعول به.
فاستفدنا أن ضمير المخاطبة يكون متصلاً، وأن هاء الغائب يكون متصلاً.
و (ما) في قوله (ما ملك) هي المفعول الثاني.
مثل المؤلف الآن بأربعة أمثلة: الأول: ياء المتكلم، والثاني: كاف المخاطب، والثالث: هاء الغائب، والرابع: ياء المخاطبة.
ياء المتكلم تكون منصوبة وتكون مجرورة، مثالها مجرورة: ابني، ومثالها منصوبة: أكرمني.
كاف المخاطب تكون منصوبة مثل: أكرمك، وتكون مجرورة مثل: مر بك، وكتابك، الأولى مجرورة بالحرف، والثانية مجرورة بالإضافة، وتكون للمفرد كأكرمكَ، وللمفردة كأكرمكِ، وللمثنى كأكرمكما، ولجماعة الذكور كأكرمكم، ولجماعة الإناث كأكرمكن.
الهاء تكون منصوبة وتكون مجرورة، مثالها منصوبة: سليه، ومثالها مجرورة: مر به، أو كتابه، وتكون للمفرد المذكر: مر به، وتكون للمفردة المؤنثة: مر بها، وتكون للمثنى مثل: مر بهما، ولجماعة الذكور: مر بهم، ولجماعة الإناث: مر بهن.
ياء المخاطبة لا تكون إلا مرفوعة: تقولين، أكرميه، سليه.
وقول المؤلف: (ولا يلي إلا اختياراً) أفادنا أنه قد يلي (إلا) في حالة الضرورة، مثل قول الشاعر: أعوذ برب العرش من فئة بغت علي فما لي عوض إلاه ناصر هنا الهاء ضمير متصل، جاءت بعد إلا للضرورة.
والضرورة الموجودة عن العرب يسلم بها، لأننا لا نستطيع أن نخضع العرب لقواعد النحو، لكن لو أردنا أن ننشئ شعراً من عندنا، فهل لنا أن نسلك هذا المسلك؟
صلى الله عليه وسلم نعم، لنا أن نسلك؛ لأنه ليس أهل الجاهلية أولى منا، وإن كانوا هم أعرب منا، وهم أهل العروبة، لكن نقول: الذي أجازه لهم لعله يسمح لنا، ولكن لو جاءنا رجل بنظم كله ضرورة فلا نأخذ به.