كذلك؛ بل الأحرفُ الثلاثة في نَمَطٍ متقارب من القلة، بحيث لا تبلغ أن تقرب من ما؛ ألا ترى أن سيبويه قال: «وقد جعلت لا -وليس ذلك بالأكثر- بمنزلة ليس». وكذلك قال السيرافي -وأيضًا إطلاقُه على لات القلة، ليس على حَدٍّ القلة في إنْ مثلًا، بل هى مختصةٌ بالحين، فلا تعملُ إلا فيه، ودخولها عليه واستعمالها فيه كثير. ولذلك لم يُقَيّده سيبيه بقلّة، وإنما ذكر أنها لم تصرف تصرفَ ليس. يعنى في أَنِ استُعملت في غير الحين، بل اقتُصِرَ بها على الحين خاصّةً، وذلك لا يقضى بقلتها في الاستعمال إذا كانت تُسْتعمل كثيرًا مع الحين.
وإذا كان كذلك لم تستحق أن تجعلَ من القليل في الكلام، بل من الكثير، وقد قال هو فيها: «وحذفُ ذى الرفعِ فشا»، أى: كثر وشاع. وما كان قليلا لا يقال فيه: إنه فشا في الاستعمال. فهذا يشبه التناقض في كلامه. وأيضًا قلةُ استعمال إِنْ مثل ما لا يدلُّ على ضعف في القياس، ولاي قال في مثله: إنه قليل؛ لكون ما جاء فيها مقبولًا قياسًا، وهذا من السماع الذى يقاسُ عليه، كما يقاس على الكثير الشائع. ونظيره: شنوءَة -في باب فَعُوله، في النسب- إذ قيل فيه: شَنَئِىّ. ولم يسمع فَعَلِىٌّ في فَعُولة إلا في هذا اللفظ خاصّة، ثم إنهم أطلقوا القياس في فَعُولة إطلاقًا، ولم يقيدوه بقلةٍ، أولُهم سيبويه إلى هَلُمّ جرّا، ومنهم الناظم فلم يقيده بقلّةٍ كما قيّد هنا إِنْ. ولو فعل ذلك هنالك لكان مخطئًا، لأن ذلك السماع هو البابُ كلّه، كذلك قال أبو الحسن؛ وذلك لقاعدة في