أشبه ذلك. وكذلك إذا دخلت «ما على» سائر هذه الأفعال، الحكم فيها واحدٌ، فلا يجوز أن تقول: قائمًا ما كان زيدٌ، ولا سائرٌ ما أصبح عَمْرو، ولا عالمًا ما صار أخوك. ولا ما كان نحو ذلك.

وإمّا امتنع التقديم مع ما؛ لأن لها صدرَ الكلام، كأدواتِ الاستفهام والشرط، ولذلك كانت من أدواتِ التعليق حسبما يأتى، إن شاء الله.

ودلّ هذا الكلام على أن غير «ما» من أدوات النفي ليس لها ذلك الحكم، بل يجوز تقديم الأخبار عليها، كلا، ولَنْ، ولمْ، فتقول: قائمًا لا يكون زيدٌ، وفاضلًا لم يزل أخوك، وعالمًا لن يصير زيد. وكذلك سائرها، لأَنك تقول: زيدًا لن أضربَ، وعمرًا لم أكرمْ، وأما زيدًا فلن أضرب. نَصّ على ذلك السيرافيُّ وغيرُه. وهو صحيح؛ فإن هذه الحروف -ما عاد ما- لم تستحقّ أن يكون لها صدرُ الكلام.

والسبب في ذلك مبنى على قاعدةٍ، وهي أَنّ العامل إِذا تغيّر معناه تغيّر حكمه، وإذا لم يتغيّر معناه لم يتغير حكمه. وبيان ذلك أن لن ولم مع الفعل بمنزلة الجزء منه، لأن لم يَفْعَلْ جواب: فَعَلَ، ولن يفعلَ جواب سيفعلُ، كما ذكره سيبويه وغيره، وكان الأصل أن يكون النفي داخلًا على الإيجاب، فكنت تقول: لَمْ فْعَلَ، ولن سيفعلُ، كما كان ذلك في «ما» حين قلت في جواب فَعَل: ما فَعل، وفي جواب يقعل: ما يفعلُ، فأدخلت حَرْفَ النفي على الكلام الموجب نَفْسِه لتردّهُ على المتكلِّم به. وإذا قلت ذلك تَغَيّر معنى الفعل من الإيجاب إلى النفي، فجاء ذلك فيما تَغَيّرَ حُكمهُ حين تغيّر معناه، فكان التقديم جائزا قبل ورود النفي، فلما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015