أن يكون مُقدما على الخبر، والأصل في الخبر التأخيرُ عن المبتدأ.
ولما كان كل واحد من الحُكْمين لازمًا عن الآخر اقتصر على أحدهما فقال: «والأصل في الأخبار أَنْ تُؤَخّرا». ولزم منه أن الأصل في المبتدآت أن تقدّم.
وقوله: «أن تُؤَخّر»، يعنى/ عن المبتدآت، فحذفه للعلم به، لأنّ كلامهم فيهما.
وما قاله صحيح؛ لأن المبتدأ -حسبما تقدّم- عامل في الخبر، ورتبة العامل التقدم على معموله، كالفعل وما أشبهه. وأيضا فهو الكثير في الاستعمال، والكثرة دليل الأصالى؛ وتقرر في الأصول أن الأصالة على ثلاثة أقسام: أصالة قياسية فقط. وأصالة استعمالية فقط، وأصالة مطلقة، وهى التى عَضَد القياسُ فيها الاستعمال. والأصالة هنا من القسم الثالث؛ لأن القياس قد عَضَدَ فيه الاستعمالَ؛ فالقياس أن العامل مقدم على المعمول، والاستعمال أن هذا هو الأغلب في الكلام، أعنى تقديم المبتدأ وتأخير الخبر ثم أردف بأصل ثانٍ استعمالِىّ، وهو إجازةُ تقديم الخبر على المبتدأ فقال: «وجَوّزُوا التقديم». يريد تقديم الخبر على المبتدأ. وإنما كان هذا أصلًا استعماليًا، لأن القياس غيرُ عاضدٍ له، بل هو معارضٌ، حيث اقتضى لزوم الخبر موضعه من التأخير، فلولا السماعُ لاقتصر على الأول. ووجهُ هذا الأصل الاستعمالي أن العامل المتصرِّفَ في نفسه حقِّه أن يتصرّفَ في معمولة بالتقديم والتأخير ما لم يَعْرِضْ عارض، والمبتدأُ متصرّفٌ في نفسه فينبغي أن يتصرّفَ في معموله. والتصرُّفُ في