والمثال الرابعُ: «رجلٌ من الكرام عندنا». فرجل نكرةٌ موصوفة بقوله: «من الكرام» أى: كائن من الكرام، أفاد الابتداءُ بها لأجل وصفها، لأنك لو لم تَصِفْها فقلت رجلٌ عندنا، لم يُفِدْ، كما أنك لو أزلْتَ حرف النفي أو حرف الاستفهام من المثالين قبلُ فعَلْتَ: «فتىً فيكم» و «خِلٌّ لنا»، لم يحصل معنًى يُفادُ. ومثل ذلك قوله تعالى: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيرٌ مِنّ مُّشركٍ}، {ولأمَةٌ مُّؤمنةٌ خَيرٌ مِنّ مُّشركَةٍ}.
وإنما أفادت هنا لأنّ النكرة إذا وُصِفَت أفادها الوصفُ بعضَ اختصاصٍ فتقرُبُ بذلك من المعرفةِ، فتحصل الفائدة؛ قال سيبويه: «ولو قلت: كان رجل من آل فلان فارسًا، حَسُن؛ لأن هذا قد يَحتاجُ إلى تُعلِمَه أن ذلك في آل فلان، وقد يجهله، ووصف النكرة [الذى] أشار إليه يُصور على أربعة أوجه، وجميعها تحصُلُ الفائدة في الابتداء بالنكرة بسببه:
أحدها: هذا، وهو أن يكون الوصف والموصوف معًا ملفوظا بهما، وهو ما مَثّل الناظم.
والثاني: أن يكون الوصفُ مقدّرًا، نحو: السمنُ مَنَوان بدرهم. فمنوان: مبتدأ محذوفُ الصِّفة، والتقدير: مَنَوان منه بدرهم. ومنه أيضا قولهُ تعالى: {يَغْشَى طَائِفةٌ مِنْكُمُ، وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهم}. فقوله: (وطائفةٌ): مبتدأ