لما كان ذا وجهين أحدهما: أنه يحتمل التقدير اللفظي لأنّه عامل في الظرف والمجرور. والآخر: أنه يحتمل التقدير المعنوي لأنه لا يظهر في اللفظ لقيام الظرف والمجرور مقامه، اعتبرهما الناظمُ في هذا الكلام فقال: «وَأَخْبَرُوا بِظَرْفٍ اوْ بِحَرْفِ جَرُّ» فجعلهما بأنفسهما خبرين، ولم يعتبر أنهما من قبيل المفرد أو الجملة، ذهابًا إلى تناسي التقدير اللفظي، ثم قال: «ناوِينَ مَعْنى كائنٍ أَوِ اسْتَقَرّ»، فجعلهما معمولين لهذا المقدّر، وإذا كان كذلك لم يَبْقَ إِلّا التقدير اللفظي كضربا زيدًا.
المسألة الثانية: أنّ الضمير العائد من هذا الخبر إلى المبتدأ محمول في هذا المقدّر لا في الظرف والمجرور، لأنّهما إذا كانا في تقديره ولم يستقلّا بالخبريّةَ، فهما عند تقديره كما هُما عند إظهاره لو ظَهر. وهذا هو ظاهرُ كلام الجمهور وظاهر كلام ابن خروفٍ، بل هو مُقتَضَى ما تقدّم من مذهبه. وما نُقِل عن غيره أنّ الظرف نفسه هو المتحمِّلُ للضمير وكذلك المجرور، بما فيها من معنى الفعل الذي تتضمّناه، ولا يتعلقان بمحذوف عنده إلا في الصلة والصفة والحال. وهذه المسألة يبني البحث فيها على ما قبلها، فما صحّ هناك من المذهَبَينِ انبنى عليه هنا موافقه من أحد الرأيين.
المسألة الثالثة: أن هذا الكلام يقتضي أن الخبر في الحقيقة هو ذلك المقدر لا هذا الظاهر، لكن لا على حدٍّ ما لو ظهر، بل على تقدير أنّ الظرف والمجرور / كالعِوَضِ منه. وَدَلّ على ذلك من كلامه قولُه: «ناوِينَ