حصل لباب الكافية وعيون فوائدها، وأحاط بها. والكافية هو أرجوزته الكبرى المسماة بالكافية الشافية، وهي قد احتوت من الأشطار المزدوجة على آلاف، ولم أقف عليها بعد، لكن رأيت عن بعض الشيوخ مقيدا أنها منثورة في الكتاب المسمى بالفوائد المحوية في المقاصد النحوية، وقد رأيت هذا الكتاب، ورأيت اختيار ابن مالك فيه موفقا في الغالب لما اختاره في هذا النظم.
وقوله: "كما اقتضى غنى بلا خصاصة"، الخصاصة: ضد الغنى. والاقتضاء: طلب القضاء، ومعناه هنا: طلبه للحكم بالغنى. يعني أنه أحصى من الكافية خلاصتها، كما اقتضى لحافظه الغنى الذي لا ينسب صاحبه إلى الفقر. ومراده أن هذه الجملة المنظومة قد اشتملت على حسنين، أحدهما: تحصيل لباب كتابه الأكبر حتى إنه لم يفته منه إلا ما لا يعد خلاصة ولبابا، إذ ليس في طبقة الضروريات. والثاني: أنه مع اشتماله على هذا الاختصار وعدم الإحاطة بالجميع فيه من العلم ما يستغني به الطالب فيكيفه طلب غيره والافتقار إليه. فالغنى المراد هو: الغنى بما فيه من العلم الكافي. والخصاصة (هي): الافتقار إلى غيره، فنفي أن يكون كتابه- على اختصاره- مفتقرا معه إلى غيره، ولعمري إنه لكذلك، لتحصيله ما يجب تحصيله، وما يرجع إلى ما يجب تحصيله. وهذا الكلام تعريف بنظمه وتنزيل له في رتبته التي يعلمها منه، وهكذا ينبغي أن يفعل المؤلف لكتاب ما أن يعرف مقصده فيه ورتبته في الإفادة، حتى يكون ذلك باعثا للناظر فيه على حفظه والاشتغال به، ولا يعد ذلك تزكية منه لفعله، ولا مدحا لنفسه، لأن هذا القصد مذموم فلا يلتمس للأئمة