الموضع غير ما ذكر، إذ ما من ضرورة إلا ويمكن أن يعوض من لفظها غيره من الألفاظ الصحيحة الجارية/ على القياس المستمر، ولا ينكر هذا إلا جاحد لضرورة العقل هذه الراء في كلام العرب وتأليف حروفهم من الشياع في الاستعمال بمكان لا يجهل ولا تكاد تنطق بجملتين تعريان عنها، وقد هجرها واصل بن عطاء لمكان لثغته فيها حتى كان يناظر الخصوم ويجادلهم، ويخطب على المنبر فلا يسمع في نطقه راء فكان إحدى الأعاجيب حتى صار مثلا وقال فيه الشاعر:
ويجعل البر قمحا في تصرفه ... وخالف الراء حتى احتال للشعر
ولم يطق مطرا والقول يعجله ... فعاد بالغيث إشفاقا من المطر
وورى به الشاعر فقال- وأحسن كل الإحسان-:
ولما رأيت الشيب راء بعارضي ... تيقنت أن الوصل لي منك واصل
ولا مرية في أن اجتناب الضرورة الشعرية أسهل من هذا بكثير، وإذا وصل الأمر إلى هذا الحد أدى إلى أن لا ضرورة في شعر عربي، وذلك خلاف الإجماع والبديهة، وإنما معنى الضرورة وهو الثالث: أن الشاعر قد لا يخطر بباله إلا لفظه ما تضمنه النطق به في ذلك