والثاني: حكاية بعض الكلام.
والثالث: حكاية مثل الإعراب الحاصل في بعض الكلام وهذان الفصلان هما اللذان تكلم عليهما هنا.
وابتدأ بالثالث، وهو حكاية مثل الإعراب فقط، وذلك بـ (أي) وبـ (من) إذا قصد بهما حكاية النكرات، فإن قصد بهما حكاية المعارف الذي يذكر في القسم الآتي بعد هذا إن شاء الله.
وكان الأصل في حكاية النكرات بـ (أي) أو (من) أن تذكر معهما المحكيات، كما تذكر المعارف، لأنه هو المقصود بالحكاية، لكن إنما يحكى في الاستعمال بالأداتين خاصة، وذلك قوله في (أي): "احك بأي مالمنكور" وكذلك قال في (من) وسبب ذلك أنه إذا قيل لك: جاءني رجل، فأردت أن تعيد لفظ "الرجل" فإما أن تعيده معرفة أو نكرة على ما كان، فإن أعدته نكرة، وهو القياس في الحكاية، لم يستقم، لأن النكرة إذا أعيدت بلفظها لم يفهم منها أن مدلولها هو الأول.
(ألا ترى أنك إذا قلت: أكرمت رجلاً وضربت رجلاً، لم يفهم أن الثاني هو الأول) ولهذا أخذ كثير من الناس "إن لكل عسر يسرين" من قوله تعالى: } فإن مع العسر يسرًا. إن مع العسر يسرًا}. لأنه لو أراد اليسر الأول لقال: إن مع العسر اليسر، كما قال تعالى: } كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً. فعصى فرعون الرسول}.