وسيأتي النظر في هذا آخر الباب إن شاء الله.
وتكلم الناظم أولا على (كم) وقسمها قسمين: استفهامية وخبرية.
وبدأ بالاستفهامية فقال: "ميز في الاستفهام كم" لأنها الأصل، ولذلك تقول طائفة من النحويين: إن الخبرية محمولة في البناء على الاستفهامية، لأن الخبرية خالية من موجب البناء وقد تقدم الكلام في هذا، والنظر في سبب بنائها في كلا قسميها في "المعرب والمبني" حيث قال: "والساكن كم" فأغني ذلك عن إعادته.
ويريد أن (كم) الاستفهامية إذا أردت أن تميزها ميزتها بمثل ما تميز به (عشرين) من العدد. وقد تقدم أن مميز (العشرين) ونحوه واحد منصوب، فكذلك تفعل هنا، فتأتي بواحد منصوب، فتقول: كم درهما أعطيت؟ وكم ثوبا ملكت؟ ومنه مثاله: كم شخصا سما؟ والشخص: سواد الإنسان وغيره، وهو مذكر يقع على المذكر والمؤنث. وسما: أي علا وارتفع، أي كم شخصا ارتفع؟
وفي تقييده تمييز (كم) هنا بكونه كتمييز (عشرين في الإفراد يعطي معنيين:
أحدهما: أنه ارتضى مذهب البصريين في لزوم إفراد التمييز في الاستفهامية، فلا يجوز أن تقول: كم أثوابا ملكت؟ ولا كم دراهم أعطيت؟ لأن (كم) أجريت في التمييز مجرى عدد لا يكون مميزه إلا واحدا، فلا ينبغي أن يخالف به ذلك الباب. قال سيبويه: لم يجز يونس والخليل: كم غلمانا لك؟ لأنك لا تقول: عشرون ثيابا لك، إلا على وجه (لك مائة بيضا) و (عليك راقود خلا).