والفرق بين الموضعين، حيث لزم في الجزم الإتيان ب (لا) دون النصب، أن الجزم إنما يجوز في فعل يصح كونه جوابا لشرط، دل عليه فعل النهي، وفعل النهي منفي في المعنى، فلا بد من تقدير فعل الشرط على موافقته فتقول: لا تدن من الأسد تسلم.
وأما النصب: فإنما يجوز في فعل مسبب عن فعل قبل (الفاء) لا عن نفيه، لكنه نهى عنه طلبا لنفي المسبب لانتفاء سببه، كما في قولك: لا تدن من الأسد فيأكلك، فإن "الأكل" هنا أتى به مسببا عن "الدنو" ونهى عنه، خوفا من وقوع مسببه الذي هو "الأكل" بوقوعه.
فالجزم بعد النهي لازم لنفي ما قبله، والنصب بعده لازم لثبوت ما قبله. فهذه علة اشتراط صحة الإتيان ب (لا) بعد (إن) في الجزم.
وقد ظهر أن الناظم ذهب في المسألة مذهب الإمام والبصريين.
وذهب الكسائي إلى جواز/ التخالف بين التقدير والمقدر، فتقول على مذهبه: لا تدن من الأسد يأكلك، وتقديره بإسقاط (لا) كأنه قال: إن تدن منه يأكلك. وقد احتج الكسائي بقول بعض العرب: لا تسألونا نجبكم بما تكرهون.
وفي الحديث "أن بعض الصحابة قال في بعض المغازي: يا رسول الله، لا تشرف يصبك سهم من سهامهم".
وروي أيضا: "من أكل من هذه الشجرة فلا يقرب مسجدنا يؤذنا بريح الثوم" بجزم "يؤذنا".