فإن قلت: فهذا الذي زعمت خرق للإجماع الذي نقله ابن خروف، وخرق الإجماع ممتنع، وصاحبه مخطئ قطعًا، لأن يد الله مع الجماعة.
فالجواب أن يقال: أما أولًا فادعاء الإجماع لا يصح، وذلك أني أظن أنه مر على ما تقدم في كلام ابن جنى في بعض كته أن شيخه الفارسي قال البناء فيها، محتجًا بما تقدم من تمحضها للدلالة على الأفعال حتى دخلت في أسمائها، ثم رأيته منقولا عن أبي الحسن، تحقيقًا لا ظنًا، ذكره عنه الفارسي في "التذكرة" فالإجماع الذي ادعاه ابن خروف غير ثابت.
وأما ثانيا، فإن سلمناه فليست المخالفة للإجماع في حكمٍ من الأحكام المتقررة التي يلزم عنها المخالفة في قياسٍ أو سماع، لأن (عندك، ووراءك) ونحوهما مع القول بالإعراب والبناء على حد سواء، فإنما حقيقة الخلاف في تأويلٍ لا في حكمٍ، إذ كانت هذه الأشياء لازمةً للإضافة لا يجوز إفرادها، فلم يظهر فيها فرق بين الإعراب والبناء.
وأما لو كانت المخالفة فيما يوجب حكمًا ظاهرًا لكانت المخالفة حينئذٍ محظورة: وعلى هذا النحو جاءت مخالفة ابن جنى في نحو: هذا جحر ضب خرب، إنما خالفهم في تأويل لا في نفس حكم قياسي أو سماعي.
وقد نص الأصوليون، في مسألة إحداث دليلٍ أو تأويلٍ مخالفٍ لما أجمعوا عليه مع الموافقة في محصول الحكم، على الخلاف.
ورجح المحققون منهم الجواز؛ إذ لا مخالفة في الحكم. وهذه المسألة مذكورة في "الأصول" وهذا أقصى ما ظهر في بيان هذه المسألة، والله الموفق للصواب.