ووجه الحذف ظاهر، وهو العلم بالمحذوف، مع كون المنادى - وإن بعد - قد جعل بمنزلة من هو بالحضرة، مقبل على من يناديه، لا شاغل له عنه، فكان ترك التصويت به تركًا لما ينوب منابه، وهو القصد والإقبال، لأنه كافٍ بالنسبة إلى المقبل الحاضر. وعلى العمل على الحصر الذي ذكر يعترض بأمرين:
أحدهما: أن (التعجب) الجاري مجرى (الاستغاثة) حكمه في امتناع الحذف حكم الاستغاثة، فالمتعجب منه لا يحذف معه الحرف، كما لا يحذف مع المستغاث، فتقول: يا للعجب، ويا للماء، ويا للفليقة، كما سيأتي إن شاء الله - ولا يحذف الحرف لأنه نقض الغرض - كما تقدم - في الاستغاثة، وحصره يقتضى جواز الحذف هنا، وهو غير صحيح.
والثاني: أن لفظ (الله) إذا نودى لا يحذف الحرف معه، فتقول: يا ألله، ولا تقول: الله، فإن العرب التزمت فيه الإتيان بالحرف، وكلام الناظم لا يقتضي ذلك البتة.
وأمر ثالث، وهو أن ما حكم له من المناديات بحكم الغافل المتراخي، الذي يجتهد في التصويت به والقصد إليه، لا يحذف منه حرف النداء، ولذلك ينادى نداء البعيد وهو قريب، فإذا كان كذلك - وكان قصد الحذف أن المنادى معدود في عداد الحاضر المصغي إليك - كان الجمع بين الحذف والحكم للمنادى بحكم المتراخي الغافل جمعًا بين المتنافيين، وهذا الوجه مفهوم من كلام سيبويه في تعليل المنع في المستغاث والمتعجب منه.