والثاني من التنبيهين أنه قال: (هنا استبح) فقيد ما ذكر من الحكم بالمكان الذي أشار إليه، وذلك يحتمل وجهين:
أحدهما: أن تكون إشارته إلى الباب الذي هو فيه تحرزًا من إيهامٍ كان يلحقه لو لم يذكره، لأنه قال: (وحذف متبوعٍ) ولفظ "المتبوع" لا يتقيد بهذا الباب دون غيره، فإن "المتبوع" من حيث هو متبوع، يتبعه النعت والبدل وسائر التوابع، وحذف المتبوع لا يجوز على الإطلاق، بل في موضع دون موضع، كباب (النعت) [وهذا الباب] وقد ذكر حكم النعت في موضعه حين قال: "وما من المنعوت والنعت عقل يجوز حذفه" فبحق ما قيد الحكم بهذا الموضع. ولو قال: وحذف معطوفٍ عليه استبح إذا علم لم يحتج إي القيد المذكور.
والثاني: أن تكون الإشارة إلى المسألة القريبة الذكر، وهي مسألة الحذف، وقد قيدها بعطف (الواو والفاء) خاصة، فكأنه يقول: إن حذف المعطوف عليه إذا كان العطف بالواو والفاء مستباح لا حظر فيه، وندر ذلك مع (أو) فالنادر لا يعتد به هنا نحو قوله.
فهل لك أو من والدٍ لك قبلنا؟
قال: أراد فهل لك من أخٍ أو من والدٍ؟ فبقيت الواو والفاء، فصار كلامه هنا موافقا لما قال هنالك، واقتصر هنا على موضع السماع.
فدل على أنه أراد هنا ما كان من المثل من متكلم واحد، بخلاف ما كان من متكلمين، فإنه لا حذف فيه، فلا يسوغ أن يمثل له به، بناًء على أنه لم يشترط في الكلام اتحاد المتكلم.