وكذلك قوله: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} (?) يريد: على نحو ما جرت به عادتكُم، أَنَّ إعادة ما تقدم اختراعُه أسهلُ من اختراعه ابتداء.
وقوله: {هَو أَعْلَمُ بِكُمْ} (?) اي منكم، حيث تَتَوهَّمون أن لكم علماً، ولله تعالى علماً، أو على حَدِّ ما تقولون: هذا أعلمُ من هذا. وهي طريقة العرب في كلامها، وبها نزل القرآن، فخوطبوا بمقتضى كلامهم، وبما يعتادون فيما بينهم.
وقد بَيَّن هذا سيبويه في كتابه حيث احتاج إليه، أَلاَ ترى أنه حين تكلم على (لَعَلَّ) في قوله تعالى: {لَعَلَّه يَتَذكَّر أَوْ يَخْشَى} (?) صَرَف مقتضاها من الطَّمَع إلى المخلوقين فقال: والعِلْم قد أَتى من وراء ما يكون، ولكن اذهبا على طمعكما ورجائكما ومبلغكما من العلم. قال: وليس لهما إلا ذاك ما لم يَعْلَما (?). وهذا من سيبويه غايةُ التحقيق. وكثيراً ما يَذكر أمثالَ هذا في كتابه.
وأما بيتُ الفرزدق فغيرُ خارج عن تقدير (مِنْ) فقد رُوي عن رؤبة بن العجاج (?)، أن رجلاً قال: يا أبا الجَحَّاف، أخبرْني عن قول الفرزدق: ((إنَّ الذَّيِ سَمَكَ السَّمَاءَ)) البيت: أَطْوَلُ من أي شٍيء؟ فقال له: رُوَيْداً، إن العرب تجتزئ بهذا. قال: وقال المؤذِّن: اللَّهُ أَكْبَرُ؟ فقال رُؤبة: أما تسمع إلى قوله: