ووجه ذلك أن العرب استَغنت عن البناء من غيرها، كما قال سيبويه في (قَالَ) من القائلة، قال: ((ولا يقولون في (قَالَ، يَقيِلُ): ما أَقْيَلَهُ، استَغْنَوا بـ (ما أَكْثَر قَائِلتَه) وما أَنْوَمَه في ساعة كذا، كما قالوا تَركْتُ، ولم يقولوا وَدَعْتُ)) انتهى (?).
والقاعدة أن العرب إذا فُهم منها الاستغناءُ لم يَجُز أن يُنْطق بما استَغنت عنه، بل يُرْجع إلى ما استَغنت به. فهذه الألفاظ قد كَسَرت عليه قاعدتَه وأصلَه.
ولكن يُجاب عن هذا بأن هذه الألفاظ قليلة جداً، لا يَقْدح مثلُها في مِثل هذا الأصل المطَّرِد، وإلاَّ فلو اعتُبر هذا في: كَسْر القواعد لاعتُبرت الشذوذاتُ المتقدمة والآتيةُ كلها، فلم يَنْتَظم قياس، ولا تَمَهَّد أصل.
وأيضاً فإذا تُتُبِّعتْ هذه الألفاظ وُجِدت لا تَنهض في الدلالة على الاستغناء، بل منها ما التعجُّبُ منه جائزٌ لوجود تلك الشروط، ومنها ما هو ممنوعٌ لفَقْد شرط، لا للاستغناء.
فأمَّا (القيام، والقعود، والجلوس) فمن قَبِيل ما لا يَقْبل الفَضْلة، إذ ليس ثَمَّ قيامٌ راجح على قيام، ولا قعودٌ أبلغُ من قعود، وكذلك الآخر ماعَدا (النوم).
وإنما يرجَّحها كثرةُ التَرداد والتَّكرار، وإذ اك يُتَعجَّب منها بـ (أقلَّ وأكثر).
وإن جاء على غير ذلك فعلى معنى الكثرة، كما قالوا في المبالغة: ضُجَعَةٌ وقُعَدَةٌ وعلى هذا الترتيب يَجري القولُ في (السُّكْر، والغَضَب) فقد حُكي الخلاف في التعجُّب منهما، فالأظهرُ جواز ذلك فيهما لقَبُولهما الزيادةَ والنقصان، من جهة تصُّور معناهما، وهو ظاهر.