ذلك تحرُّزاً من أن يكون غير مَتصرِّف' فإنه يَمتنع ذلك فيه، لأن البِنَاء منه تَصَرُّفٌ فيه، والتصرُّفُ فيما لا يَتَصرَّف نَقْضٌ لوَضْعه.
وعدم التصُّرف على وجهين، أحدهما يكون بخروج الفعل عن طريقة الأفعال من الدلالة على الحَدث والزمان، كنِعْمَ، وبِئْسَ، ولَيْسَ، وعَسَى.
والثاني يكون بمجرَّد الاستغناء عن تصرُّفه. بتصُّرف غيرِه، وإن كان باقياً على أصله من الدلالة على الحدث والزمان. مثاله: يَذَرُ، ويَدَعُ، حيث استُغني عن ماضيهما بماضي (يَتْرُكُ).
وكلا القسمين مرادٌ هنا، فلا يقال: ما أَنْعَمَهُ، وأَنْعِمْ بِه، وهو باقٍ على معناه، من إنشاء المَدْح. وكذلك (بِئْس) وغيرها.
وكذلك لا يقال أيضاً: ما أَوْذَرَهُ، ولا مَا أَوْدَعَهُ، ولا ما أشبه ذلك.
الرابع أن يكون قابلا للفَضْل، أي قابلاً لأن يَفْضُل فيه واحدٌ من المتَّصفِين به الآخرَ، كَعِلَم، وجَهِلَ؛ فإن العلم والجهل يُتصوَّر فيهما الزيادةُ والنُّقصان، وأن يَفْضُل فيهما الرجلُ رجلاً آخر، وهو المراد بقوله: ((قَابِلِ فَضْلٍ)).
وضابط ذلك من الأوصاف الأوصافُ الإضافيَّةُ التي لا تكون على حالةٍ واحدة، بل تختلف بحسب الآراء والمذاهب والأمزجة والطباع، كان ذلك بالنسبة إلى شخص واحد في حَالَيْن، كالعِلْم والجَهْل، أو شَخْصَيْن كالحُسْن والقُبْح، فإنك تقول: ما أَعْلَمَهُ، وما أَجْهَلَهُ، وما أَحْسَنَهُ، وما أَقْبَحَهُ.
ولا يُعتبر في ذلك كونُ الشخص الواحد لا يتَغَير ذلك الوصف فيه بالأشدِّ والأَضْعف (?)، بل المعتبر تصوُّرُ الصفة كذلك لا بقَيْدِ شخص.